﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الارْضِ﴾ (إبراهيم : ٤٨) وهذا صريح بأن تلك الأجزاء باقية إلا أنها صارت متصفة بصفة أخرى فهذا ما في هذا الموضع.
المسألة الثانية : احتج أهل التوحيد بهذه الآية على أن الله تعالى شيء، قالوا لأنه استثنى من قوله :﴿كُلِّ شَىْءٍ﴾ استثناء يخرج ما لولاه لوجب أو لصح دخوله تحت اللفظ، فوجب كونه شيئاً يؤكده ما ذكرناه في سورة الأنعام، وهو قوله :﴿قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةًا قُلِ اللَّه ﴾ (الأنعام : ١٩) واحتجاجهم على أنه ليس بشيء بقوله :﴿لَيْسَ كَمِثْلِه شَىْءٌ ﴾ (الشورى : ١١) والكاف معناه المثل فتقدير الآية ليس مثل مثله شيء ومثل مثل الله هو الله فوجب أن لا يكون الله شيئاً، جوابه : أن الكاف صلة زائدة.
المسألة الثالثة : استدلت المجسمة بهذه الآية على أن الله تعالى جسم من وجهين الأول : قالوا الآية صريحة في إثبات الوجه وذلك يقتضي الجسمية والثاني : قوله :﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ وكلمة إلى لانتهاء الغاية وذلك لا يعقل إلا في الأجسام والجواب : لو صح هذا الكلام يلزم أن يفنى جميع أعضائه وأن لا يبقى منه إلا الوجه، وقد التزم ذلك بعض المشبهة من الرافضة. وهو بيان ابن سمعان وذلك لا يقول به عاقل، ثم من الناس من قال الوجه هو الوجود والحقيقة يقال وجه هذا الأمر كذا أي حقيقته، ومنهم من قال الوجه صلة، والمراد كل شيء هالك إلا هو، وأما كلمة إلى فالمعنى وإلى موضع حكمه وقضائه ترجعون.
المسألة الرابعة : استدلت المعتزلة به على أن الجنة والنار غير مخلوقتين، قالوا لأن الآية تقتضي فناء الكل فلو كانتا مخلوقتين لفنيتا، وهذا يناقض قوله تعالى في صفة الجنة :﴿أُكُلُهَا دَآا ِمٌ﴾ (الرعد : ٣٥) والجواب : هذا معارض بقوله تعالى في صفة الجنة :﴿أُعِدَّتْ﴾ (آل عمران : ١٣٣) وفي صفة النار ﴿الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ (البقرة : ٢٤) ثم إما أن يحمل قوله :﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ﴾ على الأكثر، كقوله :/ ﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍ﴾ (النمل : ٢٣) أو يحمل قوله :﴿أُكُلُهَا دَآا ِمٌ﴾ على أن زمان فنائهما لما كان قليلاً بالنسبة إلى زمان بقائهما لا جرم أطلق لفظ الدوام عليه.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٢٣
المسألة الخامسة : قوله :﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ﴾ يدل على أن الذات ذات بالفعل، لأنه حكم بالهلاك على الشيء فدل على أن الشيء في كونه شيئاً قابل للهلاك/ فوجب أن لا يكون المعدوم شيئاً والله أعلم. والحمد لله رب العالمين.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٢٣
٢٦