المسألة الثانية : الرجفة الزلزلة والزعزعة الشديدة، والكثيب القطعة العظيمة من الرمل تجتمع محدودبة وجمعه الكثبان، وفي كيفية الاشتقاق قولان : أحدهما : أنه من كثب الشيء / إذا جمعه كأنه فعيل بمعنى مفعول والثاني : قال الليث : الكثيب نثر التراب أو الشيء يرمي به، والفعل اللازم انكثب ينكثب انكثاباً، وسمي الكثيب كثيباً، لأن ترابه دقاق، كأنه مكثوب منثور بعضه على بعض لرخاوته، وقوله :﴿مَّهِيلا﴾ أي سائلاً قد أسيل، يقال : تراب مهيل ومهيول أي مصبوب ومسيل الأكثر في اللغة مهيل، وهو مثل قولك مكيل ومكيول، ومدين ومديون، وذلك أن الياء تحذف منه الضمة فتسكن، والواو أيضاً ساكنة، فتحذف الواو لالتقاء الساكنين ذكره الفراء والزجاج، وإذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى يفرق تركيب أجزاء الجبال وينسفها نسفاً ويجعلها كالعهن المنفوش، فعند ذلك تصير كالكثيب، ثم إنه تعالى يحركها على ما قال :﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ (الكهف : ٤٧) وقال :﴿وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ (النمل : ٨٨) وقال :﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ﴾ (النبإ : ٢٠) فعند ذلك تصير مهيلاً، فإن قيل لم لم يقل : وكانت الجبال كثباناً مهيلة ؟
قلنا : لأنها بأسرها تجتمع فتصير كثيباً واحداً مهيلاً.
واعلم أنه تعالى لما خوف المكذبين أولي النعمة بأهوال القيامة خوفهم بعد ذلك بأهوال الدنيا فقال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٩٣
٦٩٣
واعلم أن الخطاب لأهل مكة والمقصود تهديدهم بالأخذ الوبيل، وههنا سؤالات :
السؤال الأول : لم نكر الرسول ثم عرف ؟
الجواب : التقدير أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصاه فأخذناه أخذاً وبيلاً، فأرسلنا إليكم أيضاً رسولاً فعصيتم ذلك الرسول، فلا بد وأن نأخذكم أخذاً وبيلا.
السؤال الثاني : هل يمكن التمسك بهذه الآية في إثبات أن القياس حجة ؟
والجواب : نعم لأن الكلام إنما ينتظم لو قسنا إحدى الصورتين على الأخرى، فإن قيل : هب أن القياس في هذه الصورة حجة، فلم قلتم : إنه في سائر الصور حجة، وحينئذ يحتاج إلى قياس سائر القياسات على هذا القياس، فيكون ذلك إثباتاً للقياس بالقياس، وإنه غير جائز ؟
قلنا : لا نثبت سائر القياسات بالقياس على هذه الصورة، وإلا لزم المحذور الذي ذكرتم، بل وجه التمسك هو أن نقول : لولا أنه تمهد عندهم أن الشيئين اللذين يشتركان في مناط الحكم ظناً يجب اشتراكهما في الحكم، وإلا لما أورد هذا الكلام في هذه الصورة، وذلك لأن احتمال الفرق المرجوح قائم ههنا فإن لقائل أن يقول : لعلهم إنما استوجبوا الأخذ الوبيل بخصوصية حالة العصيان في تلك الصورة وتلك الخصوصية غير موجودة ههنا، فلا يلزم حصول الأخذ الوبيل ههنا، ثم إنه تعالى مع قيام هذا الاحتمال جزم / بالتسوية في الحكم فهذا الجزم لا بد وأن يقال : إنه كان مسبوقاً بتقرير أنه متى وقع الاشتراك في المناط الظاهر وجب الجزم بالاشتراك في الحكم، وإن مجرد احتمال الفرق بالأشياء التي لا يعلم كونها مناسبة للحكم لا يكون قادحاً في تلك التسوية، فلا معنى لقولنا القياس حجة إلا هذا.
السؤال الثالث : لم ذكر في هذا الموضع قصة موسى وفرعون على التعيين دون سائر الرسل والأمم ؟
الجواب : لأن أهل مكة ازدروا محمداً عليه الصلاة والسلام، واستخفوا به لأنه ولد فيهم، كما أن فرعون ازدرى موسى لأنه رباه وولد فيما بينهم وهو قوله :﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ (الشعراء : ١٨).
السؤال الرابع : ما معنى كون الرسول شاهداً عليهم ؟
الجواب : من وجهين الأول : أنه شاهد عليهم يوم القيامة بكفرهم وتكذيبهم الثاني : المراد كونه مبيناً للحق في الدنيا، ومبيناً لبطلان ما هم عليه من الكفر، لأن الشاهد بشهادته يبين الحق، ولذلك وصفت بأنها بينة، فلا يمتنع أن يوصف عليه الصلاة والسلام بذلك من حيث إنه بين الحق، وهذا بعيد لأن الله تعالى قال :﴿وَكَذَالِكَ جَعَلْنَـاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (البقرة : ١٤٣) أي عدولاً خياراً ﴿لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ (البقرة : ١٤٣) فبين أنه يكون شاهداً عليهم في المستقبل، ولأن حمله على الشهادة في الآخرة حقيقة، وحمله على البيان مجاز والحقيقة أولى.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٩٣
السؤال الخامس : ما معنى الوبيل ؟
الجواب : فيه وجهان الأول : الوبيل : الثقيل الغليظ ومنه قولهم : صار هذا وبالاً عليهم، أي أفضى به إلى غاية المكروه، ومن هذا قيل للمطر العظيم : وابل، والوبيل : العصا الضخمة الثاني : قال أبو زيد : الوبيل الذي لا يستمرأ، وماء وبيل وخيم إذا كان غير مريء وكلأ مستوبل، إذا أدت عاقبته إلى مكروه، إذا عرفت هذا فنقول قوله :﴿فَأَخَذْنَـاهُ أَخْذًا وَبِيلا﴾ يعني الغرق، قاله الكلبي ومقاتل وقتادة.
ثم إنه تعالى عاد إلى تخويفهم بالقيامة مرة أخرى فقال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٩٣
٦٩٦
وفيه مسائل :