فإن قلت : ما فائدة هذا التوقيت وذكر مراكز الفريقين، وان العير كانت أسفل منهم؟ قلت : الفائدة فيه : الإخبار عن الحال الدالة على قوة شأن العدو وشوكته وتكامل عدته وتمهد أسباب الغلبة له، وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم وأن غلبتهم في مثل هذه الحال ليست إلا صنعا من اللّه سبحانه، ودليلا على أن ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله وقوته وباهر قدرته، وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء وكانت أرضا لا بأس بها، ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الأرجل « أي رخوة »، ولا يمشى فيها إلا بتعب ومشفقة، وكانت العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم فكانت الحماية دونها تضاعف حميتهم، وتشحذ في المقاتلة عنها نياتهم، ولهذا كانت العرب تخرج الى الحرب بظعنهم وأموالهم ليبعثهم الذّبّ عن الحريم والغيرة على الحرم على بذل جهدهم في القتال، وأن لا يتركوا وراءهم ما يحدثون أنفسهم بالانحياز اليه فيجمع ذلك قلوبهم ويضبط همهم ويوطن نفوسهم على أن لا يبرحوا مواطنهم، ولا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى نجدتهم وقصارى شدتهم، وفيه تصوير ما دبر سبحانه من أمر وقعة بدر ليقضي أمرا كان مفعولا من إعزاز دينه وإعلاء كلمته حين وعد المسلمين إحدى الطائفتين مبهمة غير مبينة حتى خرجوا ليأخذوا العير راغبين في الخروج.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٤، ص : ١٣
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤)
الإعراب :


الصفحة التالية
Icon