في قوله تعالى :« من الظلمات الى النور » استعارتان تصريحيتان أصليتان، يقصد بالأولى الضلال وبالثانية الهدى والايمان، والعلاقة المشابهة، وقد لفظ المشبه واستعير بدله لفظ المشبه به، ليقوم مقامه، بادعاء أن المشبه به هو عين المشبه، وهذا أبعد مدى في البلاغة، وأدخل في بابها، ولما كان المشبه به مصرحا به في هذا المجاز سميت الاستعارة تصريحية، وسميت أصلية لأنها جارية في الاسم. ومن الاستعارة التصريحية قول أبي الطيب :
و أقبل يمشي في البساط فما درى إلى البحر يسعى أم الى البدر يرتقي
فقد شبه سيف الدولة بالبحر ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو البحر للمشبه وهو سيف الدولة، على سبيل الاستعارة التصريحية، والقرينة : فأقبل يمشي في البساط، وكذلك يقال في تشبيه سيف الدولة بالبدر.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٤٣٦
[سورة المائدة (٥) : آية ١٧]
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (١٧)
اللغة :
(يَمْلِكُ) : تقول العرب : ملك فلان على فلان أمره إذا استولى عليه فضار لا يستطيع أن ينفذ أمرا ولا أن يفعل شيئا إلا به وبإذنه.
قال ابن دريد في وصف الخمر التي لم يكسر المزاج حدتها ولم تبطل النار تأثيرها :
لم يملك الماء عليها أمرها ولم يدنّسها الضّرم المحتضى
و قوله تعالى :« فمن يملك من اللّه شيئا » أبلغ من مثل هذا القول، لأنه نفى أن يملك أحد بعض أمره تعالى، فضلا عن ملك أمره كله، فصار المعنى أنه لا يوجد أحد يستطيع أن يردّ أمره ويحوّله عن إرادته بوجه ما.
الاعراب :


الصفحة التالية
Icon