والضمير في ﴿سَمِعَهُ﴾ عائد على الإيصاء كما شرحناه، وقيل : يعود على أمر الله تعالى في هذه الآية.
وقيل : الهاء، في :﴿فَمَنا بَدَّلَهُ﴾ عائدة إلى الفرض، والحكم، والتقدير : فمن بدل الأمر المقدم ذكره، ومَنْ : الظاهر أنها شرطية، والجواب :﴿فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ﴾ وتكون : مَنْ، عامة في كل مبدل : مَنْ رضي بغير الوصية في كتابة، أو قسمة حقوق، أو شاهد بغير شهادة، أو يكتمها، أو غيرهما ممن يمنع حصول المال ووصوله إلى مستحقه، وقيل : المراد بِمَنْ : متولي الإيصاء دون الموصي والموصى له، فإنه هو الذي بيده العدل والجنف والتبديل والإمضاء، وقيل : المراد : بِمَنْ : هو الموصي، نهي عن تغيير وصيته عن المواضع التي نهى الله عن الوصية إليها، لأنهم كانوا يصرفونها إلى الأجانب، فأمروا بصرفها إلى الأقربين.
ويتعين على هذا القول أن يكون الضمير في قوله :﴿فَمَنا بَدَّلَهُ﴾ وفي قوله :﴿بَعْدَمَا سَمِعَهُ﴾ عائداً على أمر الله تعالى في الآية، وفي قوله :﴿بَعْدَمَا سَمِعَهُ﴾ دليل على أن الإثم لا يترتب إلاَّ بشرط أن يكون المبدل قد علم بذلك، وكنى بالسماع عن العلم لأنه طريق حصوله. ﴿فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ﴾ : الضمير عائد على الإيصاء المبدل، أو على المصدر المفهوم من بدله، أي : فإنما إثم التبديل على المبدل، وفي هذا دليل على أن من اقترف ذنباً، فإنما وباله عليه خاصةً، فإن قصر الوصي في شيء مما أوصى به الميت، لم يلحق الميت من ذلك شيء، وراعى المعنى في قوله :﴿عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُا ﴾ إذ لو جرى على نسق اللفظ الأول لكان : فإنما إثمه، أو فإنما إثمه عليه على الذي يبدله، وأتي في جملة الجواب بالظاهر مكان المضمر ليشعر بعلية : الإثم الحاصل، وهو التبديل، وأتى بصلة : الذين، مستقبلة جرياً على الأصل، إذ
٢٢
هو مستقبل.
﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ في هاتين الصفتين تهديد ووعيد للمبدلين، فلا يخفي عليه تعالى شيء، فهو يجازيهم على تبديلهم شر الجزاء، وقيل : سميع لقول الموصي، عليم بفعل الموصي، وقيل : سميع لو صاياه، عليم بنياته. والظاهر القول الأول المجيئه في أثر ذكر التبديل وما يترتب عليه من الإثم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٦
﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ الظاهر أن الخوف هو الخشية هنا، جرياً على أصل اللغة في الخوف، فيكون المعنى : بتوقع الجنف أو الإثم من الموصي.
قال مجاهد : المعنى : من خشي أن يجنف الموصي، ويقطع ميراث طائفة، ويتعمد الإذاية أو يأتيها دون تعمد، وذلك هو الجنف دون إثم، وإذا تعمد فهو الجنف في إثم، فوعظه في ذلك ورده، فصلح بذلك ما بينه وبين ورثته، فلا إثم عليه.
﴿أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ عن الموصي إذا عملت فيه الموعظة ورجع عما أراد من الأذية ﴿رَّحِيمٌ﴾. وقيل : يراد بالخوف هنا : العلم، أي : فمن علم، وخرّج عليه قوله تعالى :﴿إِلا أَن يَخَافَآ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾.
وقول أبي محجن.
أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
والعلقة بين الخوف والعلم حتى أطلق على العلم الخوف، وأن الإنسان لا يخاف شيئاً حتى يعلم أنه مما يخاف منه، فهو من باب التعبير بالمسبب عن السبب، وقال في المنتخب : الخوف والخشية يستعملان بمعنى العلم، وذلك لأن الخوف عبارة عن حالة مخصوصة متولدة من ظنّ مخصوص، وبين الظنّ والعلم مشابهة في أمور كثيرة، فلذلك صح إطلاق كل واحد منهما على الأخر. انتهى كلامه.
وعلى الخوف بمعنى العلم، قال ابن عباس، رضي الله عنهما، وقتادة، والربيع، معنى الآية : من خاف أي، علم بعد موت الموصي أن الموصي حاف وجنف وتعمد إذاية بعض ورثته، فأصلح ما وقع بين الورثة من الاضطراب والشقاق، فلا إثم عليه، أي : لا يلحقه إثم التبديل المذكور قبل، وإن كان في فعله تبديلها، ولكنه تبديل لمصلحة، والتبديل الذي فيه الإثم إنما هو تبديل الهوى.
وقال عطاء : المعنى : فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً في عطيته لورثته عند حضور أجله، فأعطى بعضاً دون بعض، فلا إثم عليه أن يصلح بين ورثته في ذلك.
وقال طاووس : المعنى : فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً في وصيته لغير ورثته بما يرجع بعضه على ورثته، فأصلح بين ورثته فلا إثم عليه.
وقال الحسن : هو أن يوصي للأجانب ويترك الأقارب، فيرّد إلى الأقارب، قال : وهذا هو الإصلاح.
وقال السدي : المعنى : فمن خاف من موصٍ بآبائه وأقربائه جنفاً على بعضهم لبعض، فأصلح بين الآباء والأقرباء، فلا إثم عليه.
وقال علي بن عيسى : هو مشتمل على أمر ماضٍ واقع، وأمر غير واقع، فإن كانت الوصية باقية أمر الموصي بإصلاحها، ورد من الجنف إلى النَّصَف، وإن كانت ماضية أصلحها الموصى إليه بعد موته.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٦
وقيل : هو أن يوصي لولد ابنته، يقصد بها نفع ابنته، وهذا راجع إلى قول طاووس المتقدم.