﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْـاًا ﴾ لمّا أذن في مضارتهن إذا أتين بفاحشة ليذهب ببعض ما أعطاها، بنى تحريم ذلك في غير حال الفاحشة، وأقام الإرادة مقام الفعل. فكأنه قال : وإن استبدلتم. أو حذف معطوف أي : واستبدلتم. وظاهر قوله : وآتيتم أن الواو للحال، أي : وقد آتيتم. وقيل : هو معطوف على فعل الشرط وليس بظاهر. والاستبدال وضع الشيء مكان الشيء والمعنى : أنه إذا كان الفراق من اختياركم فلا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً. واستدل بقوله : وآتيتم إحداهن قنطاراً على جواز المغالاة في الصدقات، وقد استدلت بذلك المرأة التي خاطبت عمر حين خطب وقال :﴿وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَـاتُ نِسَآاِكُمْ﴾. وقال قوم : لا تدل على المغالاة، لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة كأنه : قيل وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا شبيه بقوله صلى الله عليه وسلّم :"من بنى مسجداً لله ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة" ومعلوم أن مسجداً لا يكون كمفحص قطاة، وإنما هو تمثيل للمبالغة في الصغر. وقد قال صلى الله عليه وسلّم لمن أمهر مائتين وجاء يستعين في مهره وغضب صلى الله عليه وسلّم :"كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحرة" وقال محمد بن عمر الرازي : لا دلالة فيها على المغالاة لأن قوله : وآتيتم لا يدل على
٢٠٥
جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله :﴿مَن قَتَلَ نَفْسَا ﴾ انتهى. ولما كان قوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، خطاباً لجماعة كان متعلق الاستبدال أزواجاً مكان أزواج، واكتفى بالمفرد عن الجمع لدلالة جمع المستبدلين، إذ لا يوهم اشتراط المخاطبين في زوج واحدة مكان زوج واحدة، ولا إرادة معنى الجماع عاد الضمير في قوله : إحداهن جمعاً والتي نهى أن نأخذ منها هي المستبدل مكانها، إلا المستبدلة. إذ تلك هي التي أعطاها المال، لا التي أراد استحداثها بدليل قوله :﴿أَتَأْخُذُونَه بُهْتَـانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَه وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ وقال : وآتيتم إحداهن قنطاراً ليدل على أن قوله : وآتيتم المراد منه، وأتى كل واحد منكم إحداهن، أي إحدى الأزواج قنطاراً، ولم يقل : وآتيتموهن قنطاراً، لئلا يتوهم أن الجميع المخاطبين أتوا الأزواج قنطاراً. والمراد : آتى كل واحد زوجته قنطاراً. فدل لفظ إحداهن على أن الضمير في : آتيتم، المراد منه كل واحد واحد، كما دل لفظ : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج على أن المراد استبدال أزواج مكان أزواج، فأريد بالمفرد هنا الجمع لدلالة : وإن أردتم. وأريد بقوله : وآتيتم كل واحد واحد لدلالة إحداهن، وهي مفردة على ذلك. وهذا من لطيف البلاغة، ولا يدل على هذا المعنى بأوجز من هذا ولا أفصح. وتقدّم الكلام في قنطار في أول آل عمران والضمير في منه عائد على قنطار. وقرأ ابن محيصن : بوصل ألف إحداهن، كما قرىء : أنها لإحدى الكبقر بوصل الألف، حذفت على جهة التحقيق كما قال :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
وتسمع من تحت العجاج لها ازملا
وقال :
إن لم أقاتل فألبسوني برقعا
وظاهر قوله : فلا تأخذوا منه شيئاً تحريم أخذ شيء مما آتاها إذا كان استبدال مكانها بإرادته. قالوا : وهذا مقيد بقوله :﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ﴾ قالوا : وانعقد عليه الإجماع. ويجري هذا المجرى المختلعة لأنها طابت نفسها أن تدفع للزوج ما افتدت به. وقال بكر بن عبد الله المزني : لا تأخذ من المختلعة شيئاً لقوله : فلا تأخذوا منه شيئاً وآية البقرة منسوخة بهذا، وتقدّم الكلام في ذلك في سورة البقرة. وظاهر قوله : وآتيتم إحداهن قنطاراً، والنهي بعده يدل على عموم ما آتاها، سواء كان مهراً أو غيره.