وقالوا : تحريم الرضاع كتحريم النسب إلا في مسألتين : إحداهما أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب، ويجوز له أن يتزوج أخت ابنه من الرضاع. لأن المعنى في النسب وطؤه أمها، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع. والثانية : لا يجوز أن يتزوج أم أخيه من النسب، ويجوز في الرضاع. لأن المانع في النسب وطء الأب إياها، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع، وظاهر الكلام إطلاق الرضاع. ولم تتعرض الآية إلى سن الراضع، ولا عدد الرضعات. ولا للبن الفحل، ولا لإرضاع الرجل لبن نقسه للصبي، أو إيجاره به، أو تسعيطه بحيث يصل إلى الجوف. وفي هذا كله خلاف مذكور في كتب الفقه. وقرأ الجمهور : اللاتي أرضعنكم. وقرأ عبد الله : اللاي بالياء. وقرأ ابن هرمز : التي. وقرأ أبو حيوة : من الرضاعة بكسر الراء.
﴿وَأُمَّهَـاتُ نِسَآاِكُمْ﴾ الجمهور على أنها على العموم. فسواء عقد عليها ولم يدخل، أم دخل بها. وروي عن علي ومجاهد وغيرهما : أنه إذا طلقها قبل الدخول، فله أن يتزوج أمها. وأنها في ذلك بمنزلة الربيبة.
﴿وَرَبَئاِبُكُمُ الَّـاتِى فِى حُجُورِكُم﴾ ظاهره أنه يشترط في تحريمها أن تكون في حجره، وإلى هذا ذهب علي، وبه أخذ داود وأهل الظاهر. فلو لم تكن في حجره وفارق أمها بعد الدخول جاز له أن يتزوجها. قالوا : حرم الله الربيبة بشرطين : أحدهما : أن تكون في حجر الزوج. الثاني : الدخول بالأم. فإذا فقد أحد الشرطين لم يوجد التحريم. واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلّم :"لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة" فشرط الحجر. وقال الطحاوي وغيره : إضافتهن إلى الحجور حملاً على أغلب ما يكون الربائب، وهي محرمة وإن لم تكن في الحجر. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : ما فائدة قوله : في حجوركم ؟ (قلت) فائدته التعليل
٢١١
للتحريم، وأنهن لاحتضانكم لهن، أو لكونهن بصدد احتضانكم. وفي حكم التقلب في حجوركم إذا دخلتم بأمهاتهن، وتمكن حكم الزواج بدخولكم جرت أولادهن مجرى أولادكم، كأنكم في العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم انتهى. وفيه بعض اختصار.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
﴿مِّن نِّسَآاِكُمُ الَّـاتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ﴾ ظاهر هذا أنه متعلق بقوله : وربائبكم فقط. واللاتي : صفة لنسائكم المجرور بمن، ولا جائز أن يكون اللاتي وصفاً لنسائكم من قوله : وأمهات نسائكم، ونسائكم المجرور بمن، لأن العامل في المنعوتين قد اختلف : هذا مجرور بمن، وذاك مجرور بالإضافة. ولا جائز أن يكون من نسائكم متعلقاً بمحذوف ينتظم أمهات نسائكم وربائبكم، لاختلاف مدلول حرف الجر إذ ذاك، لأنه بالنسبة إلى قوله : وأمهات نسائكم يكون من نسائكم لبيان النساء، وتمييز المدخول بها من غير المدخول بهن. وبالنسبة إلى قوله : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، يكون من نسائكم لبيان ابتداء الغاية كما تقول : هذا ابني من فلانة. قال الزمخشري : إلا أنّ أعلقه بالنساء والربائب، وأجعل من للاتصال كقوله تعالى :﴿الْمُنَـافِقُونَ وَالْمُنَـافِقَـاتُ بَعْضُهُم مِّنا بَعْضٍ﴾، فإني لست منك ولست مني، ما أنا من دد ولا الدد مني. وأمهات النساء متصلات بالنساء، لأنهن أمهاتهن. كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن، لأنهن بناتهن انتهى. ولا نعلم أحداً ذهب إلى أنَّ من معاني من الاتصال. وأما ما شبه به من الآية والشعر والحديث، فمتأول : وإذا جعلنا من نسائكم متعلقاً بالنساء، والربائب كما زعم الزمخشري. فلا بد من صلاحيته لكل من النساء والربائب. فأما تركيبه مع لربائب ففي غاية الفصاحة والحسن، وهو نظم الآية. وأما تركيبه مع قوله : وأمهات نسائكم، فإنه يصير : وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فهذا تركيب لا يمكن أن يقع في القرآن، ولا في كلام فصيح، لعدم الاحتياج في إفادة هذا المعنى إلى قوله : من نسائكم. والدخول هنا كناية عن الجماع لقولهم : بني عليها، وضرب عليها الحجاب.