وقال ابن عباس : وسع الله على هذه الأمة بنكاح الأمة، واليهودية، والنصرانية. وقد اختلف السلف في ذلك اختلافاً كثيراً : روي عن ابن عباس، وجابر، وابن جبير، والشعبي، ومكحول : لا يتزوج الأمة إلا من لا يجد طولاً للحرة، وهذا هو ظاهر القرآن. وروي عن مسروق، والشعبي : أن نكاحها بمنزلة الميتة والدم ولحم الخنزير، يعني : أنه يباح عند الضرورة. وروي عن علي، وأبي جعفر، ومجاهد، وابن المسيب، وابراهيم، والحسن، والزهري : أن له نكاحها، وإن كان موسراً. وروي عن عطاء، وجابر بن زيد : أنه يتزوجها إن خشي أن يزني بها، ولو كان تحته حرة. فال عطاء : يتزوج الأمة على الحرة. وقال ابن مسعود : لا يتزوجها عليها إلا المملوك. وقال عمر، وعلي، وابن المسيب، ومكحول في آخرين : لا يتزوجها عليها. وهذا الذي يقتضيه النظر، لأن القرآن دل على أنه لا ينكح الأمة إلا مَن لا يجد طولاً للحرة. فإذا كانت تحته حرة، فبالأولى أن لا يجوز له نكاح الأمة، لأن وجدان الطول للحرة إنما هو سبب لتحصيلها، فإذا كانت حاصلة كان أولى بالمنع. وقال ابراهيم : يتزوج الأمة على الحرة إن كان له من الأمة ولد. وقال ابن المسيب : لا ينكحها عليها إلا أن تشاء الحرة، ويقسم للحرة يومين، وللأمة يوماً وظاهر قوله : فمما ملكت أيمانكم، جواز نكاح عادم طول الحرة المؤمنة أربعاً من الإماء إن شاء. وروي عن ابن عباس : أنه لا يتزوج من الإماء أكثر من واحدة، وإذا لم يكن شرطاً في الأمة الإيمان فظاهر قوله : فمما ملكت أيمانكم من فتيانكم، أنه لو كانت الكتابية مولاها كافر لم يجز نكاحها، لأنه خاطب بقوله : فمما ملكت أيمانكم من فتيانكم المؤمنات، فاختص بفتيات المؤمنين، وروي عن أبي يوسف : جواز ذلك على كراهة. وإذا لم يكن الإيمان شرطاً في نكاح الأمة، فالظاهر جواز نكاح الأمة الكافرة مطلقاً، سواء كانت كتابية، أو مجوسية، أو وثنية، أم غير ذلك من أنواع الكفار.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
وأجمعوا على تحريم نكاح الأمة الكافرة غير الكتابية : كالمجوسية، والوثنية، وغيرهما. وأما وطء المجوسية بملك اليمين فأجازه : طاوس، وعطاء، ومجاهد، وعمرو بن دينار. ودلت على هذا القول ظواهر القرآن في عموم : ما ملكت أيمانكم، وعموم ﴿إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ﴾ قالوا : وهذا قول شاذ مهجور، لم يلتفت إليه أحد من فقهاء الأمصار. وقالوا : لا يحل له أن يطأها حتى تسلم. وقالوا : إنما كان نكاح الأمة منحطاً عن نكاح الحرة لما فيه من اتباع الولد لأمه في الرق، ولثبوت حق سيدها فيها، وفي استخدامها، ولتبذلها بالولوج والخروج، وفي ذلك نقصان نكاحها ومهانته إذ رضي بهذا كله، والعزة من صفات المؤمنين.
ومن مبتدأ، وظاهره أنه شرط. والفاء في : فمما ملكت فاء الجواب، ومن تتعلق بمحذوف تقديره : فلينكح من ما ملكت. ويجوز أن يكون مَن موصولة، ويكون العامل المحذوف الذي يتعلق به قوله : مما ملكت جملة في موضع الخبر. ومسوغات دخول الفاء في خبر المبتدأ موجودة هنا. والظاهر أنَّ مفعول يستطع هو طولاً، وأن ينكح على هذا أجازوا، فيه أن يكون أصله بحرف جر، فمنهم من قدره بإلى، ومنهم من قدره باللام أي : طولاً إلى أن ينكح، أو لأن ينكح، ثم حذف حرف الجر، فإذا قدر إلى، كان المعنى : ومَن لم يستطع منكم وصلة إلى أن ينكح. وإذا قدر باللام، كان في موضع الصفة القدير : طولاً أي : مهراً كائناً لنكاح المحصنات. وقيل : اللام المقدرة لام المفعول له أي : طولاً لأجل نكاح المحصنات، وأجازوا أن يكون : أن ينكح في موضع نصب على المفعول به، وناصبة طول. إذ جعلوه مصدر طلت الشيء أي نلته، قالوا : ومنه قول الفرزدق :
إن الفرزدق صخرة عاديةطالت فليس تنالها الأوعالا
٢٢٠
أي وطالت إلا وعال أي : ويكون التقدير ومَن لم يستطع منكم أن ينال نكاح المحصنات. ويكون قد أعمل المصدر المنون في المفعول به كقوله :
يضرب بالسيوف رؤوس قومأزلناها مهن عن المقيل
وهذا على مذهب البصريين إذ أجازوا إعمال المصدر المنون. وإلى أنَّ طولاً مفعول لـ يستطيع، وإن ينكح في موضع مفعول بقوله : طولاً، إذ هو مصدر. ذهب أبو علي في التذكرة، وأجازوا أيضاً أن يكون أن ينكح بدلاً من طول، قالوا : بدل الشيء من الشيء، وهما لشيء واحد، لأن الطول هو القدرة والنكاح قدرة. وأجازوا أن يكون مفعول يستطع قوله : أن ينكح. وفي نصب قوله : طولاً وجهان : أحدهما : أن يكون مفعولاً من أجله على حذف مضاف، أي : ومن لم يستطع منكم لعدم طول نكاح المحصنات. والثاني : قاله : ابن عطية. قال : ويصح أن يكون طولاً نصب على المصدر، والعامل فيه الاستطاعة، لأنها بمعنى يتقارب. وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة، أو بالمصدر انتهى كلامه. وكأنه يعني أنَّ الطول هو استطاعة، فيكون التقدير : ومن لم يستطع منكم استطاعة أن ينكح.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢


الصفحة التالية
Icon