وقرأ الكوفيون : عقدت بتخفيف القاف من غير ألف، وشدّد القاف حمزة من رواية عليّ بن كبشة، والباقون عاقدت بألف، وجوزوا في إعراب الذين وجوهاً. أحدها : أن يكون مبتدأ والخبر فآتوهم. والثاني : أن يكون منصوباً من باب الاشتغال نحو : زيداً فاضربه. الثالث : أن يكون مرفوعاً معطوفاً على الوالدان والأقربون، والضمير في فآتوهم عائد على موالي إذا كان الوالدان ومن عطف عليه موروثين، وإن كانوا وارثين فيجوز أن يعود على موالي، ويجوز أن يعود على الوالدين والمعطوف عليه. الرابع : أن يكون منصوباً معطوفاً على موالي قاله : أبو البقاء، وقال : أي وجعلنا الذين عاقدت ورّاثاً، وكان ذلك ونسخ انتهى. ولا يمكن أن يكون على هذا التقدير الذي قدّره أن يكون معطوفاً على موالي لفساد العطف، إذ يصير التقدير : ولكل إنسان، أو : لكل شيء من المال جعلنا ورّاثاً. والذين عاقدت أيمانكم، فإن كان من عطف الجمل وحذف المفعول الثاني لدلالة المعنى عليه أمكن ذلك، أي جعلنا ورّاثاً لكل شيء من المال، أي : لكل إنسان، وجعلنا الذين عاقدت أيمانكم ورّاثاً. وهو بعد ذلك توجيه متكلف، ومفعول عاقدت ضمير محذوف أي : عاقدتهم أيمانكم، وكذلك في قراءة عقدت هو محذوف تقديره : عقدت حلفهم، أو عهدهم أيمانكم. وإسناد المعاقدة أو العقد للإيمان سواء أريد بها القسم، أم الجارحة، مجاز بل فاعل ذلك هو الشخص.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٩
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدًا﴾ لما ذكر تعالى تشريع التوريث، وأمر بإيتاء النصيب، أخبر تعالى أنه مطلع على كل شيء فهو المجازى به، وفي ذلك تهديد للعاصي، ووعد للمطيع، وتنبيه على أنه شهيد على المعاقدة بينكم. والصلة فأوفوا بالعهد.
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ قيل : سبب نزول هذه الآية أنَّ امرأة لطمها زوجها فاستعدت، فقضى لها بالقصاص، فنزلت. فقال صلى الله عليه وسلّم :"أردت أمراً وأراد الله غيره" قاله : الحسن، وقتادة، وابن جريج، والسدي وغيرهم. فذكر التبريزي والزمخشري وابن عطية : أنها حبيبة بنت زيد بن أبي زهير زوج
٢٣٨
الربيع بن عمر، وأحد النقباء من الأنصار. وطولوا القصة وفي آخرها : فرفع القصاص بين الرجل والمرأة، وقال الكلبي : هي حبيبة بنت محمد بن سلمة زوج سعيد بن الربيع. وقال أبو روق : هي جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى زوج ثابت بن قيس بن شماس. وقيل : نزل معها :﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُا﴾ وفي سبب من عين المرأة أن زوجها لطمها بسبب نشوزها. وقيل : سبب النزول قول أم سلمة المتقدم : لما تمنى النساء درجة الرجال عرفن وجه الفضيلة قيل : المراد بالرحال هنا من فيهم صدامة وحزم، لا مطلق من له لحية. فكم من ذي لحية لا يكون له نفع ولا ضر ولا حرم، ولذلك يقال : رجل بين الرجولية والرجولة. ولذلك ادعى بعض المفسرين أنَّ في الكلام حذفا تقديره : الرجال قوامون على النساء إن كانوا رجالاً. وأنشد :
أكل امرىء تحسبين امرأونار توقد بالليل ناراً
والذي يظهر أنَّ هذا إخبار عن الجنس لم يتعرض فيه إلى اعتبار أفراده، كأنه قيل : هذا الجنس قوام على هذا الجنس. وقال ابن عباس : قوّامون مسلطون على تأديب النساء في الحق. ويشهد لهذا القول طاعتهن لهم في طاعة الله. وقوام : صفة مبالغة، ويقال : قيام وقيم، وهو الذي يقوم بالأمر ويحفظه. وفي الحديث :"أنت قيام السموات والأرض ومن فيهن" والباء في بما للسبب، وما مصدرية أي : بتفضيل الله. ومن جعلها بمعنى الذي فقد أبعد، إذ لا ضمير في الجملة وتقديره محذوفاً مسوّغ لحذفه، فلا يجوز.
والضمير في بعضهم عائد على الرجال والنساء. وذكر تغليباً للمذكر على المؤنث، والمراد بالبعض الأول الرجال، وبالثاني النساء. والمعنى : أنهم قوّامون عليهن بسبب تفصيل الله الرجال على النساء، هكذا قرروا هذا المعنى. قالوا : وعدل عن الضميرين فلم يأت بما فضل الله عليهن لما في ذكر بعض من الإبهام الذي لا يقتضي عموم الضمير، فرب أنثى فضلت ذكراً. وفي هذا دليل على أن الولاية تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة، وذكروا أشياء مما فضل به الرجال على النساء على سبيل التمثيل. فقال الربيع : الجمعة والجماعة. وقال الحسن : النفقة عليهن. وينبو عنه قوله : وبما أنفقوا. وقيل : التصرف والتجارات. وقيل : الغزو، وكمال الدين، والعقل. وقيل : العقل والرأي، وحل الأربع، وملك النكاح، والطلاق، والرجعة، وكمال العبادات، وفضيلة الشهادات، والتعصيب، وزيادة السهم في الميراث، والديات، والصلاحية للنبوة، والخلافة، والإمامة، والخطابة، والجهاد، والرمي، والآذان، والاعتكاف، والحمالة، والقسامة، وانتساب الأولاد، واللحي، وكشف الوجوه، والعمائم التي هي تيجان العرب، والولاية، والتزويج، والاستدعاء إلى الفراش، والكتابة في الغالب، وعدد الزوجات، والوطء بملك اليمين.


الصفحة التالية
Icon