جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٠
وقرأ الجمهور : وعصوا الرسول بضم الواو. وقرأ يحيى بن يعمر وأبو السمال : وعصوا الرسول بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم : تسوى بضم التاء وتخفيف السين مبنياً للمفعول، وهو مضارع سوى. وقرأ نافع، وابن عامر : بفتح التاء وتشديد السين، وأصله تتسوى، فأدغمت التاء في السين، وهو مضارع تسوى. وقرأ حمزة والكسائي : تسوّى بفتح التاء وتخفيف السين، وذلك على حذف التاء، إذ أصله تتسوى وهو مضارع تسوى. فعلى قراءة من قرأ تتسوى وتسوّى فتكون الأرض فاعلة. قال أبو عبيدة وجماعة : معناه لو تنشق الأرض ويكونون فيها، وتنسوي هي في نفسها عليهم. والباء بمعنى على. وقالت فرقة : معناه لو تسوّى هي معهم في أن يكونوا تراباً كالبهائم، فجاء اللفظ على أن الأرض هي المسوية معهم، والمعنى : إنما هو أنهم يستوون مع الأرض. ففي اللفظ قلب يخرج على قولهم : أدخلت القلنسوة في رأسي. وعلى قراءة من قرأ : تسوى مبنياً للمفعول، فالمعنى أن الله يفعل ذلك على حسب المعنيين السابقين. وقيل : المعنى لو دفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى، ومعنى هذا القول هو معنى القول الأول. وقيل : المعنى لو تعدل بهم الأرض أي : يؤخذ منهم ما عليها فدية.
والعامل في يومئذ يود، ومفعول يود محذوف تقديره : تسوية الأرض بهم، ودلّ عليه قوله : لو تسوى بهم الأرض. ولو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وجوابه محذوف تقديره : لسروا بذلك، وحذف لدلالة يودّ عليه. ومن أجاز في لو أن تكون مصدرية مثل أن جوز ذلك هنا، وكانت إذ ذاك لا جواب لها، بل تكون في موضع مفعول يود.
﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ روي عن ابن عباس أن معنى هذه : ودوا إذ فضحتحهم جوارحهم أنهم لم يكتموا الله شركهم. وروي عنه أيضاً : أنهم لما شهدت عليهم جوارحهم لم يكتموا الله شيئاً. وقال الحسن : القيامة مواقف، ففي موطن يعرفون سوء أعمالهم ويسألون أن يردوا إلى الدنيا، وفي موطن يكتمون ويقولون : والله ربنا ما كنا مشركين. وقال الفراء والزجاج : هو كلام مستأنف لا يتعلق بقوله : وتسوى بهم الأرض، والمعنى : لا يقدرون على كتمان الحديث لأنه ظاهر عند الله. وقيل : ودوا لو سويت بهم الأرض، وأنهم لم يكتموا الله حديثاً. وقيل : لم يعتقدوا أنهم مشركون، وإنما اعتقدوا أن عبادة الأصنام طاعة، ذكر هذين القولين : ابن الأنباري. قال القاضي : أخبروا بما توهموا، وكانوا يظنون أنهم ليسوا بمشركين، وذلك لا يخرجهم أنهم قد كذبوا. وإذا كانت الجملة مندرجة تحت يود فقال الجمهور : هو قولهم والله ربنا ما كنا مشركين، ما كنا نعمل من سوء، وهذا يتعلق بالآخرة. وقال عطاء : أمر الرسول ونعته وبعثه، وهذا متعلق بالدنيا انتهى. ما خص من كتاب التحرير والتحبير.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٠
وقال ابن عطية ما ملخصه : استأنف الكلام وأخبر أنهم لا يكتمون حديثاً لنطق جوارحهم بذلك كله حتى يقول بعضهم : والله ربنا ما كنا مشركين، فيقول الله تعالى : كذبتم، ثم تنطق جوارحهم فلا تكتم حديثاً، وهذا قول ابن عباس. وقالت طائفة مثله : إلا أنها قالت : استأنف ليخبر أنّ الكتم لا ينفع وإن كتموا لعلم الله جميع أسرارهم، فالمعنى : ليس ذلك المقام الهائل مقاماً ينفع فيه الكتم. والفرق بين هذا والأول، أن الأول يقتضي أنّ الكتم لا يقع بوجه، والآخر يقتضي أنّ الكتم لا ينفع وقع أو لم يقع، كما تقول : هذا مجلس لا يقال فيه باطل، وأنت تريد أنه لا ينفع فيه ولا يستمع إليه. وقالت طائفة : الكلام كله متصل، والمعنى : ويودون أنهم لا يكتمون الله حديثاً. وودّهم
٢٥٣
ذلك إنما هو ندم على كذبهم حين قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين. وقالت طائفة : هي مواطن وفرق انتهى. وقال الزمخشري : لا يقدرون على كتمانه، لأن جوارحهم تشهد عليهم.