﴿حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ هذه غاية لامتناع الجنب من الصلاة، وهي داخلة في الحظر إلى أن يوقع الاغتسال مستوعباً جميعه. والخلاف : هل يدخل في ماهية الغسل إمرار اليد أو شبهها مع الماء على المغسول ؟ فلو انغمس في الماء أو صبه عليه فمشهور مذهب مالك : أنه لا يجزئه حتى يتدلك، وبه قال المزني : ومذهب الجمهور : أنه يجزئه من غير تدلك. وهل يجب في الغسل تخليل اللحية ؟ فيه عن مالك خلاف. وأما المضمضة والاستنشاق في الغسل فذهب أبو حنيفة إلى فرضيتهما فيه لا في الوضوء. وقال ابن أبي ليلى وإسحاق وأحمد وبعض أصحاب داود : هما فرض فيهما. وروي عن عطاء، والزهي وقال مجاهد وجماعة من التابعين، ومالك، والأوزاعي، والليث، والشافعي، ومحمد بن جرير : ليسا بفرض فيهما. وروي عن أحمد : أن المضمضة سنة، والاستنشاق فرض، وقال به بعض أصحاب داود. وظاهر قوله : حتى تغتسلوا حصول الاغتسال، ولم يشترط فيه نية الاغتسال، بل ذكر حصول مطلق الاغتسال، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه في كل طهارة بالماء. وروي هذا الوليد بن مسلم عن مالك، ومشهور مذهبه أنه لا بد من النية، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٠
﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَآاِطِ أَوْ لَـامَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا ﴾
٢٥٧
قال الجمهور : نزلت بسبب عدم الصحابة الماء في غزوة المريسيع، حين أقام على التماس العقد. وقال النخعي : في قوم أصابتهم جراح وأجنبوا. وقيل : كان ذلك عبد الرحمن بن عوف، ومرضى يعني في الحضر. ويدل على مطلق المرض قل أو كثر، زاد أو نقص، تأخر برؤه أو تعجل، وبه قال داود. فأجاز التيمم لكل من صدق عليه مطلق الاسم. وخصص العلماء غيره المرض بالجدري، والحصبة، والعلل المخوف عليها من الماء فقالوا : إن خاف تيمم بلا خلاف، إلا ما روي عن عطاء والحسن : أنه يتطهر وإن مات، وهما محجوجان بحديث عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل، وأنه أشفق أن يهلك إن اغتسل فتيمم، فأقرّه الرسول صلى الله عليه وسلّم على ذلك، خرجه أبو داود والدارقطني.
وإن خاف حدوث مرض أو زيادته، أو تأخر البرء، فذهب أبو حنيفة ومالك : إلى أنه يتيمم. وقال الشافعي : لا يجوز، وقيل : الصحيح عن الشافعي أنه إذا خاف طول المرض جاز له التيمم. وظاهر قوله تعالى : أو على سفر مطلق السفر، فلو لم يجد الماء في الحضر جاز له التيمم عند مالك وأبي حنيفة ومحمد. وقال الشافعي والطبري : لا يتيمم. وقال الليث والشافعي أيضاً : إن خاف فوت الوقت تيمم وصلى، ثم إذا وجد الماء أعاد. وقال أبو يوسف وزفر : لا يتيمم إلا لخوف الوقت. والسفر المبيح عند الجمهور مطلق السفر، سواء أكان مما تقصر فيه الصلاة أو لا تقصر. وشرط قوم سفراً تقصر فيه الصلاة، وشرط آخرون أن يكون سفر طاعة. وقال أبو حنيفة : لو خرج من مصره لغير سفر فلم يجد الماء جاز له التيمم، وقد المسافة أن يكون بينه وبين الماء ميل. وقيل : إذا كان بحيث لا يسمع أصوات الناس، لأنه في معنى المسافر. فلو وجد ماء قليلاً إن توضأ به خاف على نفسه العطش تيمم على قول الجمهور، فلو وجده بثمن مثله فلا خلاف أنه يلزمه شراؤه، أو بما زاد. فمذهب أبي حنيفة والشافعي. يتيمم. ومذهب مالك : يشتريه بماله كله ويبقى عديماً. فلو حال بينه وبين الماء عدو أو سبع أو غير ذلك مما يحول فكالعادم للماء.
ومجيئه من الغائط كناية عن الحدث بالغائط، وحمل عليه الريح والبول والمني والودي، لا خلاف أن هذه الستة أحداث. وقد اختلفوا في أشياء ذكرت في كتب الفقه. وقرأ ابن مسعود : من الغيط وخرج على وجهين : أحدهما : أنه مصدر إذ قالوا : غاط يغيط. والثاني : أن أصله فيعل، ثم حذف كميت. واختلفوا في تفسير اللمس، فقال عمرو بن مسعود وغيرهما : هو اللمس باليد، ولا ذكر للجنب إنما يغتسل أو يدع الصلاة حتى يجد الماء. قال أبو عمر : لم يقل بقولهم أحد من فقهاء الأمصار لحديث عمار، وأبي ذر، وعمران بن حصين في تيمم الجنب. وقال علي وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة : المراد الجماع، والجنب يتيمم. ولا ذكر للامس بيده، وهو مذهب أبي حنيفة. فلو قبل ولو بلذة لم ينتقض الوضوء. وقال مالك : الملامس بالجماع يتيمم، وكذا باليد إذا التذ فإن لمس بغير شهوة فلا وضوء، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال الشافعي : إذا أفضى بشيء من جسده إلى بدن المرأة نقض الطهارة، وهو قول : ابن مسعود، وابن عمر، والزهري، وربيعة، وعبيدة، والشعبي، وابراهيم، ومنصور، وابن سيرين. وقال الأوزاعي : إن كان باليد نقض وإلا فلا. وقرأ حمزة، والكسائي : لمستم وباقي السبعة بالألف، وفاعل هنا موافق فعل المجرّد نحو : جاوزت الشيء وجزته، وليست لأقسام الفاعلية والمفعولية لفظاً، والاشتراك فيهما معنى، وقد حملها الشافعيّ على ذلك في أظهر قوليه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٠
فقال : الملموس كاللامس في نقض الطهارة.


الصفحة التالية
Icon