والنصيب : الحظ. ومن الكتاب : يحتمل أن يتعلق بأوتوا، ويحتمل أن يكون في موضع الصفة لنصيباً. وظاهر لفظ الذين أوتوا، يشمل اليهود والنصارى، ويكون الكتاب عبارة عن التوراة والإنجيل. وقيل : الكتاب هنا التوراة، والنصيب قيل : بعض علم التوراة، لا العمل بما فيها. وقيل : علم ما هو حجة عليهم منه فحسب. وقيل : كفرهم به. وقيل : علم نبوّة محمد صلى الله عليه وسلّم.
﴿يَشْتَرُونَ الضَّلَـالَةَ﴾ المعنى : يشترون الضلالة بالهدى، كما قال :﴿أُوالَئاِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَـالَةَ بِالْهُدَى ﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٠
قال ابن عباس : استبدلوا الضلالة بالإيمان. وقال مقاتل : استبدلوا التكذيب بالنبي بعد ظهوره بإيمانهم به قبل ظهوره واستنصارهم به انتهى. ودل لفظ الاشتراء على إيثار الضلالة على الهدى، فصار ذلك بغياً شديداً عليهم، وتوبيخاً فاضحاً لهم، حيث هم عندهم حظ من علم التوراة والإنجيل، ومع ذلك آثروا الكفر على الإيمان. وكتابهم طافح بوجوب اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. وقيل : اشتراء الضلالة هنا هو ما كانوا يبذلون من أموالهم لأحبارهم على تثبيت دينهم قاله : الزجاج.
﴿وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ أي : لم يكفهم أن ضلوا في أنفسهم حتى تعلقت آمالهم يضلا لكم أنتم أيها المؤمنون عن سبيل الحق، لأنهم لما علموا أنهم قد خرجوا من الحق إلى الباطل كرهوا أن يكون المؤمنون مختصين باتباع الحق، فأرادوا أن يضلوا كما ضلوا هم كما قال تعالى :﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَآءً﴾ وقرأ النخعي : وتريدون بالتاء باثنتين من فوق، قيل : معناه وتريدون أيها المؤمنون أن تضلوا السبيل أي : تدعون الصواب في اجتنابهم، وتحسبونهم غير أعداء الله. وقرىء : أن يضلوا بالياء وفتح الضاد وكسرها. ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَآاِكُمْ﴾ فيه تنبيه على الوصف المنافي لوداد الخير للمؤمنين وهي العداوة. وفيه إشارة إلى التحذير منهم، وتوبيخ على الاستنامة إليهم والركون، والمعنى : أنه تعالى قد أخبر بعداوتهم للمؤمنين، فيجب حذرهم كما قال تعالى :﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ واعلم على بابها من التفضيل، أي : أعلم بأعدائكم منكم. وقيل : بمعنى عليم، أي عليم بأعدائكم.
﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ ومن كان الله وليه ونصيره فلا يبالي بالأعداء، فثقوا بولايته ونصرته دونهم أو لا تبالوا بهم، فإنه ينصركم عليهم، ويكفيكم مكرهم. وقيل : المعنى ولياً لرسوله، نصيراً لدينه.
والباء في بالله زائدة ويجوز حذفها كما قال : سحيم :
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وزيادتها في فاعل كفى وفاعل يكفى مطردة كما قال تعالى :﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّه عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾ وقال الزجاج : دخلت الباء في الفاعل، لأن معنى الكلام الأمر أي : اكتفوا بالله. وكلام الزجاج مشعر أن الباء ليست بزائدة، ولا يصح ما قال من المعنى، لأن الأمر يقتضي أن يكون فاعله هم المخاطبون، ويكون بالله متعلقاً به. وكون الباء دخلت في الفاعل يقتضي أن يكون الفاعل هو الله لا المخاطبون، فتناقض قوله. وقال ابن السراج : معناه كفى الاكتفاء بالله، وهذا أيضاً يدل على أن الباء ليست زائدة إذ تتعلق بالاكتفاء، فالاكتفاء هو الفاعل لكفى. وهذا أيضاً لا يصح لأنّ فيه حذف المصدر وهو موصول، وإبقاء معموله
٢٦١
وهو لا يجوز إلا في الشعر نحو قوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٠
هل تذكرنّ إلى الدّيرين هجرتكمومسحكم صلبكم رحمان قربانا
التقدير : وقولكم يا رحمن قرباناً. وقال ابن عطية : بالله في موضع رفع بتقدير زيادة الخافض، وفائدة زيادته تبيين معنى الأمر في صورة الخبر، أي : اكتفوا بالله، فالباء تدل على المراد من ذلك. وهذا الذي قاله ابن عطية ملفق بعضه من كلام الزجاج، وهو أفسد من قول الزجاج، لأنه زاد على تناقض اختلاف الفاعل اختلاف معنى الحرف، إذ بالنسبة لكون الله فاعلاً هو زائد، وبالنسبة إلى أن معناه اكتفوا بالله هو غير زائد. وقال ابن عيسى : إنما دخلت الباء في كفى بالله لأنه كان يتصل الفاعل وبدخول الباء اتصل اتصال المضاف واتصال الفاعل، لأن الكفاية منه ليست كالكفاية من غيره، فضوعف لفظها المضاعفة معناها، وهو كلام يحتاج إلى تأويل. وقد تقدم الكلام على كفى بالله في قوله :﴿فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِم وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ لكن تكرر هنا لما تضمن من مزيد : نقول : ورد بعضها. وانتصاب ولياً ونصيراً قيل : على الحال. وقيل : على التمييز، وهو أجود لجواز دخول من.


الصفحة التالية
Icon