وأنتم متخذون الله سند ظهوركم وعماد آمالكم. فقول الجمهور : على أن كفر قوم شعيب كان جحداً بالله وجهلاً به، وهذا القول الثاني على أنهم كانوا يقرون بالخالق الرازق ويعتقدون الأصنام وسائط ووسائل، ومن اللفظة الاستظهار بالبينة. وقال ابن زيد : الظهري الفضل، مثل الحمل يخرج معه بابل ظهارية يعدها إن احتاج إليها، وإلا فهي فضلة. محيط أحاط بأعمالكم فلا يخفى عليه شيء منها، وفي ضمنه توعد وتهديد، وتقدم تفسير نظير قوله :﴿لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ وخلاف القراء في مكانتكم. وجوز الفراء، والزمخشري : في من يأتيه أن تكون موصولة مفعولة بقوله : تعلمون أي : تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب، واستفهامية في موضع رفع على الابتداء، وتعلمون معلق كأنه قيل : أين يأتيه عذاب يخزيه، وأينا هو كاذب. قال ابن عطية : والأول أحسن، يعني كونها مفعولة قال : لأنها موصولة، ولا يوصل في الاستفهام، ويقضي بصلتها إن المعطوفة عليها موصولة لا محالة انتهى. وقوله : ويقضي بصلتها الخ لا يقضي بصلتها، إذ لا يتعين أن تكون موصولة لا محالة كما قال، بل تكون استفهامية إذا قدرتها معطوفة على من الاستفهامية، كما قدّرناه وأينا هو كاذب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٠
قال الزمخشري :(فإن قلت) : أي فرق بين إدخال الفاء ونزعها في سوف تعلمون ؟ (قلت) : أدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل، ونزعها وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا : فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا، وعملت أنت ؟ فقال : سوف تعلمون، يوصل تارة بالفاء، وتارة بالاستئناف، كما هو عادة البلغاء من العرب. وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف، وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه. قال الزمخشري :(فإن قلت) : قد ذكر عملهم على مكانتهم، وعمله على مكانته، ثم أتبعه ذكر عاقبة العاملين منه ومنهم، فكان القياس أن يقول من يأتيه عذاب يجزيه، ومن هو صادق حتى ينصرف من يأتيه عذاب يخزيه إلى الجاحدين، ومن هو صادق إلى النبي المبعوث إليهم. (قلت) : القياس ما ذكرت، ولكنهم لما كانوا يعدونه كاذباً قال : ومن هو كاذب يعني في زعمكم ودعواكم تجهيلاً لهم انتهى. وفي ألفاظ هذا الرجل سوء أدب، والذي قاله ليس بقياس، لأن التهديد الذي وقع ليس بالنسبة إليه، ولا هو داخل في التهديد المراد بقوله : سوف تعلمون، إذ لم يأت التركيب اعملوا على مكانتكم، وأعمل على مكانتي، ولا سوف تعلمون. واعلم أن التهديد مختص بهم. واستسلف الزمخشري قوله : قد ذكر عملهم على مكانتهم، وعمله على مكانته، فبنى على ذلك سؤالاً فاسداً، لأن المترتب على ما ليس مذكوراً لا يصح البتة، وجميع الآية والتي قبلها إنما هي بالنسبة إليهم على سبيل التهديد، ونظيره في سورة تنزيل :﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾، فهذا جاء بالنبة للمخاطبين في قوله : قل يا قوم اعملوا على مكانتكم كما جاء هنا، وارتقبوا : انتظروا العاقبة، وما أقول لكم. والرقيب بمعنى الراقب فعيل للمبالغة، أو بمعنى المراقب كالعشير والجليس، أو بمعنى المرتقب كالفقير والرفيع بمعنى المفتقر والمرتفع، ويحسن هذا مقابلة فارتقبوا.
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : ما بال ساقتي قصة عاد وقصة مدين جاءتا بالواو والساقتان الوسطيان بالفاء ؟ (قلت) : قد وقعت الوسطيان بعد ذكر الوعد وذلك قوله :﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ ﴿ذالِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ فجيء بالفاء التي للتسبب كما تقول : وعدته فلما جاء الميعاد كان كيت وكيت، وأما الأخريان فلم يقعا بتلك المنزلة، وإنما وقعتا مبتدأتين، فكان حقهما أن يعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما ؟ كما تعطف قصة على قصة انتهى. وتقدم تفسير مثل ولما جاء أمرنا إلى قوله كان لم يغنوا فيها. وقرأ السلمي وأبو حيوة : كما بعدت بضم العين من البعد الذي هو ضد القرب، والجمهور
٢٥٧
بكسرها، أرادت العرب التفرقة بين البعد من جهة الهلاك، وبين غيره، فغيروا البناء وقراءة السلمي جاءت على الأصل اعتبار المعنى البعد من غير تخصيص كما يقال : ذهب فلان، ومضى في معنى القرب. وقيل : معناه بعد الهم من رحمة الله كما بعدت ثمود منها. وقال ابن قتيبة : بعد يبعد إذا كان بعده هلكة، وبعد يبعد إذ أتاني. وقال النحاس : المعروف في اللغة بعد يبعد بعداً وبعداً إذا هلك. وقال المهدوي : بعد يستعمل في الخير والشر، وبعد في الشر خاصة. وقال ابن الأنباري : من العرب من يسوي بين الهلاك والبعد الذي هو ضد القرب، فيقول فيهما بعد يبعد، وبعد يبعد. وقال مالك بن الريب : في بعد بمعنى هلك ؛
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٠
يقولون لا تبعدوهم يدفنوننيوأين مكان البعد إلا مكانيا


الصفحة التالية
Icon