الذي هو ليوفينهم صلة، لما نحو قوله تعالى :﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ وهذا وجه حسن، ومن إيقاع ما على من يعقل قولهم : لا سيما زيد بالرفع، أي لاسي الذي هو زيد. وقيل : ما نكرة موصوفة وهي لمن يعقل، والجملة القسمية وجوابها قامت مقام الصفة، لأن المعنى : وإنْ كلا لخلق موفى عمله، ورجح الطبري هذا القول واختاره. وقال أبو عليّ : العرف أن تدخل لام الابتداء على الخير، والخبر هنا هو القسم وفيه لام تدخل على جوابه، فلما اجتمع اللامان والقسم محذوف، واتفقا في اللفظ، وفي تلقي القسم فصل بينهما بما كما فصلوا بين أن واللام انتهى. ويظهر من كلامه أنّ اللام في لما هي اللام التي تدخل في الخبر، ونص الحوفي على أنها لام إنْ، إلا أنّ المنقول عن أبي علي أنّ الخبر هو ليوفينهم، وتحريره ما ذكرنا وهو القسم وجوابه. وقيل : اللام في لما موطئة للقسم، وما مزيدة، والخبر الجملة القسمية وجوابها، وإلى هذا القول في التحقيق يؤول قول أبي علي. وأما القراءة الثانية فتشديد إنّ وإعمالها في كل واضح. وأما تشديد لمّا فقال المبرد : هذا لحن، لا تقول العرب إنّ زيداً لما خارج، وهذه جسارة من المبرد على عادته. وكيف تكون قراءة متواترة لحناً وليس تركيب الآية كتركيب المثال الذي قال : وهو أنّ زيداً لما خارج هذا المثال لحن، وأما في الآية فليس لحناً، ولو سكت وقال كما قال الكسائي : ما أدري ما وجه هذه القراءة لكن قد وفق، وأما غير هذين من النحويين فاختلفوا في تخريجها. فقال أبو عبيد : أصله لما منونا وقد قرىء كذلك، ثم بني منه فعلى، فصار كتتري نون إذ جعلت ألفه للإلحاق كارطي، ومنع الصرف إذ جعلت ألف تأنيث، وهو مأخوذ من لممته أي جمعته، والتقدير : وإنْ كلاًّ جميعاً ليوفينهم، ويكون جميعاً فيه معنى التوكيد ككل، ولا يقال لما هذه هي لما المنونة وقف عليها بالألف، لأنها بدل من التنوين، وأجرى الأصل مجرى الوقف، لأنّ ذلك إنما يكون في الشعر. وما قاله أبو عبيد بعيد، إذ لا يعرف بناء فعلى من اللم، ولما يلزم لمن أمال، فعلى أن يميلها ولم يملها أحد بالإجماع، ومن كتابتها بالياء ولم تكتب بها، وقيل : لما المشدّدة هي لما المخففة، وشدّدها في الوقف كقولك : رأيت فرّحاً يريد فرحاً، وأجرى الوصل مجرى الوقف، وهذا بعيد جداً، وروي عن المازني. وقال ابن جني وغيره : تقع إلا زائدة، فلا يبعد أن تقع لما بمعناها زائدة انتهى. وهذا وجه ضعيف مبني على وجه ضعيف في إلا. وقال المازني : إنْ هي المخفف ثقلت، وهي نافية بمعنى ما، كما خففت إنْ ومعناها المثقلة، ولما بمعنى إلا، وهذا باطل لأنه لم يعهد تثقيل إن النافية، ولنصب كل وإن النافية لا تنصب. وقيل : لما بمعنى إلا كقولك : نشدتك بالله لما فعلت، تريد إلا فعلت، وقاله الحوفي، وضعفه أبو علي قال : لأن لما هذه لا تفارق القسم انتهى. وليس كما ذكر، قد تفارق القسم. وإنما يبطل هذا الوجه، لأنه ليس موضع دخول إلا، لو قلت : إنْ زيداً إلا ضربته لم يكن تركيباً عربياً. وقيل : لما أصلها لمن ما، ومن هي الموصولة، وما بعدها زائدة، واللام في لما هي داخلة في خبر إن، والصلة الجملة القسمية، فلما أدغمت من في الزائدة اجتمعت ثلاث ميمات، فحذفت الوسطى منهن وهي المبدلة من النون، فاجتمع المثلان، فأدغمت ميم من في ميم ما، فصار لمّا وقاله المهدوي. وقال الفراء، وتبعه جماعة منهم نصر الشيرازي : أصل لمّا لمن ما دخلت من الجارة على ما، كما في قول الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٥
وإنا لمن ما يضرب الكبش ضربةعلى رأسه تلقى اللسان من الفم
فعمل بها ما عمل في الوجه الذي قبله. وهذان الوجهان ضعيفان جداً لم يعهد حذف نون من، ولا حذف نون من إلا في الشعر، إذا لقيت لام التعريف أو شبهها غير المدغمة نحو قولهم : ملمال يريدون من المال.
وهذه كلها تخريجات ضعيفة جداً ينزه القرآن عنها. وكنت قد ظهر لي فيها وجه جار على قواعد العربية، وهو أنّ لمّا هذه هي لما الجارمة حذف فعلها المجزوم لدلة المعنى عليه، كما حذفوه في قولهم
٢٦٧