إلى الجنة والنار، وقيل : للسعادة والشقاوة. وقال الزمخشري : ولذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام، أولاً من التمكين والاختيار الذي عنه الاختلاف، خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. ولولا أن هذه الأقوال سطرت في كتب التفسير لضربت عن ذكرها صفحاً.
وتمت كلمة ربك أي : نفذ قضاؤه وحق أمره. واللام في لأملأن، هي التي يتلقى بها القسم، أو الجملة قبلها ضمنت معنى القسم كقوله ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ النَّبِيِّـانَ﴾ ثم قال :﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ والجنة والجن بمعنى واحد. قال ابن عطية : والهاء فيه للمبالغة، وإن كان الجن يقع على الواحد، فالجنة جمعه انتهى. فيكون مما يكون فيه الواحد بغير هاء، وجمعه بالهاء لقول بعض العرب : كمء للواحد، وكمأة للجمع.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٢
﴿وَكُلا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنابَآءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِا فُؤَادَكَا وَجَآءَكَ فِى هَـاذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ : الظهر أن كلاً مفعول به، والعامل فيه نقص، والتنوين عوض من المحذوف، والتقدير : وكل نبأ نقص عليك. ومن أنباء الرسل في موضع الصفة لقوله : وكلاً إذ هي مضافة في التقدير إلى نكرة، وما صلة كما هي في قوله :﴿قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ قيل : أو بدل، أو خبر مبتدأ محذوف أي : هو ما نثبت، فتكون ما بمعنى الذي، أو مصدرية. وأجازوا أن ينتصب كلاً على المصدر، وما نثبت مفعول به بقولك نقص، كأنه قيل : ونقص علك الشيء الذي نثبت به فؤادك كل قص. وأجازوا أن يكون كلاً نكرة بمعنى جميعاً، وينتصب على الحال من المفعول الذي هو ما، أو من المجرور الذي هو الضمير في به على مذهب من يجوز تقديم حال المجرور بالحرف عليه، التقدير : ونقص عليك من أنباء الرسل الأشياء الت نثبت بها فئادك جميعاً أي : المثبتة فؤادك جميعاً. قال ابن عباس : نثبت نسكن، وقال الضحاك : نشد، وقال ابن جريج : نقوي. وتثبيت الفؤاد هو بما جرى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاتباعهم المؤمنين، وما لقوا من مكذبيهم من الأذى، ففي هذا كله أسوة بهم، إذ المشاركة في الأمور الصعبة تهون ما يلقى الإنسان من الأذى، ثم الإعلام بما جرى على مكذبيهم من العقوبات المستأصلة بأنواع من العذاب من غرق وريح ورجفة وخسف، وغير ذلك فيه طمأنينة للنفس، وتأنيس بأنْ يصب الله من كذب الرسول صلى الله عليه وسلّم بالعذاب، كما جرى لمكذبي الرسل. وإنباء له عليه الصلاة والسلام بحسن العاقبة له ولأتباعه، كما اتفق للرسل وأتباعهم. والإشارة بقوله : في هذه، إلى أنباء الرسل التي قصها الله تعالى عليه، أي النبأ الصدق الحق الذي هو مطابق بما جرى ليس فيه تغيير ولا تحريف، كما ينقل شيئاً من ذلك المؤرخون. وموعظة أي : اتعاظ وازدجار لسامعه، وذكرى لمن آمن، إذ الموعظة والذكرى لا ينتفع بها إلا المؤمن كقوله ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وقوله :﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الاشْقَى﴾ وقال ابن عباس : الإشارة إلى السورة والآيات التي فيها تذكر قصص الأمم، وهذا قول الجمهور. ووجه تخصيص هذه اسورة بوصفها بالحق، والقرآن كله حق، أنّ ذلك يتضمن معنى الوعيد للكفرة والتنبيه للناظر، أي : جاءك في هذه السورة الحق الذي أصاب الأمم الظالمة. وهذا كما يقال عند الشدائد : جاء الحق، وإن كان الحق يأتي في غير شديدة وغير ما وجه، ولا تستعمل في ذلك جاء الحق. وقال الحسن وقتادة : الإشارة إلىدار الدنيا. قال قتادة : والحق النبوة. وقيل : إشارة إلى السورة مع نظائرها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٢
﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَـامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾ : اعملوا صيغة أمر ومعناه : التهديد والوعيد، والخطاب لأهل مكة وغيرها. على مكانتكم أي : جهتكم وحالكم التي أنتم عليها. وقيل : اعملوا في هلاكي على إمكانكم،
٢٧٤
وانتظروا بناء الدوائر، إنا منتظرون أن ينزل بكم نحو ما اقتصّ الله من النقم النازلة بأشباهكم. ويشبه أن يكون إيتاء موادعة، فلذلك قيل : إنهما منسوختان، وقيل : محكمتان، وهما للتهديد والوعيد والحرب قائمة.