فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما روي عن الصعب بن جَثَّامة أنه أهدى إلى رسول الله ﷺ رِجْلَ حمارِ وحش يقطر دمًا، فردّه فقال: إنا حُرُم (١) = وفيما روي عن عائشة: أن وَشِيقة ظبي أهديت إلى رسول الله ﷺ وهو محرم، فردّها (٢) وما أشبه ذلك من الأخبار؟
قيل: إنه ليس في واحد من هذه الأخبار التي جاءت بهذا المعنى، بيانُ أن رسول الله ﷺ ردّ من ذلك ما ردّ وقد ذبحه الذابح إذ ذبحه، وهو حلال لحلال، ثم أهداه إلى رسول الله ﷺ وهو حرام، فرده وقال:"إنه لا يحل لنا لأنا حرم"، وإنما ذكر فيه أنه أُهدي لرسول الله ﷺ لحم صيد فردّه. وقد يجوز أن يكون ردُّه ذلك من أجل أنّ ذابحه ذبحه أو صائده صاده من أجله ﷺ وهو محرم.
وقد بيَّن خبر جابر عن النبيّ ﷺ بقوله:"لحم صيد [البر] للمحرم حلال إلا ما صاد أو صيد له"، (٣) معنى ذلك كله.
فإذ كان كلا الخبرين صحيحًا مخرجهما، فواجبٌ التصديقُ بهما، وتوجيه كلّ واحد منهما إلى الصحيح من وجه، وأن يقال:"ردُّه ما ردّ من ذلك من أجل
(٢) حديث عائشة رواه أحمد في المسند ٦: ٤٠. وقد مضى تفسير"الوشيقة" فيما سلف ص: ٧٨ تعليق: ١.
(٣) حديث جابر بن عبد الله خرجه البيهقي في السنن الكبرى ٥: ١٩٠، فانظر ما قاله فيه، وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٣٣٣ وقال: أخرجه أحمد والحاكم وصححه. وزدت ما بين القوسين من الخبر، وهو ساقط من المخطوطة والمطبوعة.