أما قوله: "وأخذ برأس أخيه يجره إليه"، فإن ذلك من فعل نبي الله ﷺ كان، لموجدته على أخيه هارون في تركه أتباعه، وإقامته مع بني إسرائيل في الموضع الذي تركهم فيه، كما قال جل ثناؤه مخبرًا عن قيل موسى عليه السلام له:( مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) ؟ [سورة طه: ٩٢، ٩٣]، حين أخبره هارون بعذره فقبل عذره، وذلك قيله لموسى:( لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي )، [سورة طه: ٩٤]، وقال: "يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء"، الآية:
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "يا ابن أم".
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض أهل البصرة:( يَا ابْنَ أُمَّ ) بفتح "الميم" من "الأم".
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة:( يَا ابْنَ أُمِّ) بكسر "الميم" من الأم.
* * *
واختلف أهل العربية في فتح ذلك وكسره، مع إجماع جميعهم على أنهما لغتان مستعملتان في العرب.
فقال بعض نحويي البصرة: قيل ذلك بالفتح، على أنهما اسمان جعلا اسمًا واحدًا، كما قيل: "يا ابن عمَّ"، وقال: هذا شاذ لا يقاس عليه.
وقال: من قرأ ذلك: "يا ابن أمِّ"، فهو على لغة الذين يقولون: "هذا غلامِ قد جاء؟"، جعله اسمًا واحدًا آخره مكسور، مثل قوله: "خازِ باز". (١)
* * *

(١) (١) (( الخازباز ))، هو ضرب من الذبان، و (( خاز )) و (( باز )) صوتان من صوت الذباب، فجعلا واحداً، وبنيا على الكسر، لا يتغير في الرفع والنصب والجر.


الصفحة التالية
Icon