فعدلا. فكانا يحكمان النهار بين بني آدم، فإذا أمسيا عرجا وكانا مع الملائكة، وينزلان حين يصبحان فيحكمان فيعدلان، حتى أنزلت عليهما الزهرة - في أحسن صورة امرأة - تخاصم، فقضيا عليها. فلما قامت، وجد كل واحد منهما في نفسه، فقال أحدهما لصاحبه: وجدت مثل ما وجدت؟ قال: نعم. فبعثا إليها: أن ائتينا نقض لك. فلما رجعت، قالالها -وقضيا لها- : ائتينا! فأتتهما، (١) فكشفا لها عن عورتهما، وإنما كانت شهوتهما في أنفسهما، ولم يكونا كبني آدم في شهوة النساء ولذتها. فلما بلغا ذلك واستحلاه وافتتنا، طارت الزهرة فرجعت حيث كانت. فلما أمسيا عرجا فردا ولم يؤذن لهما، (٢) ولم تحملهما أجنحتهما، فاستغاثا برجل من بني آدم، فأتياه فقالا ادع لنا ربك! فقال: كيف يشفع أهل الأرض لأهل السماء؟ قالا سمعنا ربك يذكرك بخير في السماء! فوعدهما يوما، وغدا يدعو لهما، فدعا لهما فاستجيب له، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فنظر أحدهما إلى صاحبه فقالا نعلم أن أنواع عذاب الله في الآخرة كذا وكذا في الخلد، ومع الدنيا سبع مرات مثلها. (٣) فأمرا أن ينزلا ببابل، فثم عذابهما. وزعم أنهما معلقان في الحديد مطويان، يصفقان بأجنحتهما. (٤)
* * *
قال أبو جعفر: وحكي عن بعض القراء أنه كان يقرأ:(وما أنزل على الملكين)، يعني به رجلين من بني آدم. وقد دللنا على خطأ القراءة بذلك من جهة الاستدلال، (٥) فأما من جهة النقل، فإجماع الحجة - على خطأ القراءة بها - من
(٢) في ابن كثير :"فزجرا ولم يؤذن لهما، وهما سواء.
(٣) في ابن كثير :"فقالا : ألا تعلم أن أفواج عذاب الله.. وفي الدنيا تسع مرات مثلها". وفي الدر المنثور :"فقالا : نعلم أن أفواج عذاب الله.. نعم، ومع الدنيا سبع مرات.. " وقوله"ومع الدنيا.. " أي إذا قيس بعذاب الدنيا، كان سبعة أمثال عذابها.
(٤) الأثر : ١٦٨٩ - في تفسير ابن كثير ١ : ٢٥٩ - ٢٦٠، وفي الدر المنثور ١ : ١٠٢
(٥) انظر ما سلف ص : ٤٢٥ - ٤٢٦.