ويحرم سر جارتهم عليهم... ويأكل جارهم أنف القصاع (١)
وكذلك يقال لكل ما أخفاه المرء في نفسه:"سرا". ويقال:"هو في سر قومه"، يعني: في خيارهم وشرفهم.
فلما كان"السر" إنما يوجه في كلامها إلى أحد هذه الأوجه الثلاثة، وكان معلوما أن أحدهن غير معني به قوله:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، وهو السر الذي هو معنى الخيار والشرف= فلم يبق إلا الوجهان الآخران، وهو"السر" الذي بمعنى ما أخفته نفس المواعد بين المتواعدين، (٢) "والسر" الذي بمعنى الغشيان والجماع.
فلما لم يبق غيرهما، وكانت الدلالة واضحة على أن أحدهما غير معني به، صح أن الآخر هو المعني به.
* * *
فإن قال [قائل]: (٣) فما الدلالة على أن مواعدة القول سرا، غير معني به= على ما قال من قال إن معنى ذلك: أخذ الرجل ميثاق المرأة أن لا تنكح غيره، أو على ما قال من قال: قول الرجل لها:"لا تسبقيني بنفسك"؟
قيل: لأن"السر" إذا كان بالمعنى الذي تأوله قائلو ذلك، فلن يخلو ذلك"السر" من أن يكون هو مواعدة الرجل المرأة ومسألته إياها أن لا تنكح غيره= أو
فليس الجار جار بني رياح | بمقصى في المحل ولا مضاع |
هم صنعوا لجارهم، وليست | يد الخرقاء مثل يد الصناع |
(٣) هذه الزيادة استظهرتها من مئات أشباهها مضت.