والآخر منهما: إثبات"الهاء" في الوصل والوقف. ومن قرأه كذلك، فإنه يجعل"الهاء" في"يتسنَّه" لامَ الفعل، ويجعلها مجزومة ب"لم"، ويجعل"فعلت" منه:"تسنَّهت"، و"يفعل":"أتسنَّه تسنُّها"، (١) وقال في تصغير"السنة":"سُنيهة" و"سنيَّة"،"أسنيتُ عند القوم" و"أسنهتُ عندهم"، إذا أقمت سنة. (٢).
وهذه قراءة عامة قرأة أهل المدينة والحجاز.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندي في ذلك إثباتُ"الهاء" في الوصل والوقف، لأنها مثبتةٌ في مصحف المسلمين، ولإثباتها وجهٌ صحيح في كلتا الحالتين في ذلك.
* * *
ومعنى قوله:( لم يتسنَّه )، لم يأت عليه السنون فيتغيَّر، على لغة من قال:"أسنهت عندكم أسْنِه": إذا أقام سنة، وكما قال الشاعر: (٣).
وَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلا رُجَّبِيَّةٍ... وَلكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الجَوائِحِ (٤)
(٢) في المطبوعة حذف وزيادة وتغيير، كان فيها :"وقال في تصغير السنة سنيهه، ومنه : أسهنت عند القوم وتسهنت عندهم"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو أيضًا صواب، وإن كانت الشبهة قد دخلت عليه من ذكر"سنية" و"أسنيت"، ولكن جائز أن يكون قائل هذا القول ممن يرى جواز كليهما، فلذلك أثبته كما كان في المخطوطة، ولا يبدل إلا بحجة، وسيأتي كلام الطبري بعد قليل :"أن ذلك وجه صحيح في كلتا الحالتين".
(٣) سويد بن الصامت الأنصاري، ويقال : أحيحة بن الجلاح.
(٤) معاني القرآن للفراء ١ : ١٧٣. والأمالى ١ : ٢١، وسمط اللآلى : ٣٦١، وتهذيب الألفاظ : ٥٢٠، واللسان (عرا) (قرح) (سنه) (خور) (رجب)، والإصابة في ترجمته، من أبيات يقولها في دين كان قد أدانه فطولب به، فاستغلت في قضائه بقومه فقصر واعنه. وترتيبها فيها أستظهر :
وَأَصْبَحْتُ قد أنكَرْتُ قوْمِي كَأَنَّنِي | جَنَيْتُ لَهُمْ بالدَّيْنِ إحْدَى الفَضَائِحِ |
أَدِينُ، وَمَا دَيْنِي عَلَيْهِم بِمَغْرَمٍ | وِلكِنْ عَلَى الشُّمِّ الجِلاَدِ القَرَاوِحِ |
عَلَى كُلِّ خَوَّارٍ، كَأَنَّ جُذُوعَها | طُلِينَ بِقَارٍ أوْ بِحَمْأَةِ مَائِحِ |
وَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلاَ رُجَّبِيَّةٍ | وَلَكنْ عَرَايَا فِي السِّنِينِ الجَوَائِحِ |
أَدِينُ عَلَى أَثْمَارِهَا وَأُصُولِهَا | لِمَوْلًى قَرِيبٍ أو لآخَرَ نَازِحِ |
يقول لقومه : قد جئت أستدينكم، على أن أؤدي من نخلي ومالي، ففيم الجزع؟ أتخافون أن يكون ديني مغرما تغرمونه! ! وهذه نخلي أصف لكم من جودتها وكرمها ما أنتم به أعلم.