قيل:"تبتيلا". وذلك أن المتروك هو:"تبتل فيبتلك الله إليه تبتيلا". وقد تفعل العرب مثلَ ذلك أحيانا: تخرج المصادر على غير ألفاظ الأفعال التي تقدمتها، إذا كانت الأفعال المتقدمة تدل على ما أخرجت منه، كما قال جل وعز:( وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا ) [نوح: ١٧]، وقال:( وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ) [آل عمران: ٣٧]، و"النبات": مصدر"نبت". وإنما جاز ذلك لمجيء"أنبت" قبله، فدل على المتروك الذي منه قيل"نباتًا"، والمعنى:"والله أنبتكم فنبتم من الأرض نباتًا". وليس [ في ] قوله:( وتثبيتًا من أنفسهم ) كلامًا يجوز أن يكون متوهَّمًا به أنه معدول عن بنائه، (١). ومعنى الكلام:"ويتثبتون في وضع الصدقات مواضعها"، فيصرف إلى المعاني التي صرف إليها قوله:( وتبتَّل إليه تبتيلا )، وما أشبه ذلك من المصادر المعدولة عن الأفعال التي هي ظاهرة قبلها.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله:( وتثبيتًا من أنفسهم )، احتسابًا من أنفسهم.
* ذكر من قال ذلك:
٦٠٧٣ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:( وتثبيتًا من أنفسهم ) يقول: احتسابًا من أنفسهم. (٢).
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول أيضًا بعيد المعنى من معنى"التثبيت"، لأن التثبيت لا يعرف في شيء من الكلام بمعنى"الاحتساب"، إلا أن يكون أراد مفسِّرُه كذلك: أن أنفس المنفقين كانت محتسبة في تثبيتها أصحابها. فإن كان ذلك كان عنده معنى الكلام، فليس الاحتساب بمعنًى حينئذ للتثبيت، فيترجَم عنه به.
* * *

(١) في المطبوعة :"وليس قوله... كلامًا يجوز" بالنصب، وفي المخطوطة :"وليس قوله... كلام يجوز" بالرفع، وظاهر أن الصواب ما أثبت من زيادة :"في"، بمعنى أنه ليس في الجملة فعل سابق يتوهم به أن المصدر معدول به عن بنائه.
(٢) سقط من الترقيم سهوا رقم : ٦٠٧٢.


الصفحة التالية
Icon