والخبر الثاني
روى معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي أنه قال من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي فإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة قلت وتقريره من جانب العقل أن قوله أعوذ بالله مشاهدة لكمال عجز النفس وغاية قصورها والآيات الثلاث من آخر سورة الحشر مشاهدة لكمال الله وجلاله وعظمته وكمال الحال في مقام العبودية لا يحصل إلا بهذين المقامين
الخبر الثالث
روى أنس عن النبي أنه قال من استعاذ في اليوم عشر مرات وكل الله تعالى به ملكا يذود عنه الشيطان قلت والسبب فيه أنه لما قال أعوذ بالله وعرف معناه عرف منه نقصان قدرته ونقصان علمه وإذا عرف ذلك من نفسه لم يلتفت إلى ما تأمره به النفس ولم يقدم على الأعمال التي تدعوه نفسه إليها والشيطان الأكبر هو النفس فثبت أن قراءة هذه الكلمة تذود الشيطان عن الإنسان
والخبر الرابع
عن خولة بنت حكيم عن النبي أنه قال
من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من ذلك المنزل قلت والسبب فيه أنه ثبت في العلوم العقلية أن كثرة الأشخاص الروحانية فوق كثرة الأشخاص الجسمانية وأن السموات مملوءة من الأرواح الطاهرة كما قال عليه الصلاة والسلام
أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو قاعد وكذلك الأثير والهواء مملوءة من الأرواح وبعضها طاهرة مشرقة خيرة وبعضها كدرة مؤذية شريرة فإذا قال الرجل
أعوذ بكلمات الله التامات فقد استعاذ بتلك الأرواح الطاهرة من شر تلك الأرواح الخبيثة وأيضا كلمات الله هي قوله كن وهي عبارة عن القدرة النافذة ومن استعاذ بقدرة الله لم يضره شيء
والخبر الخامس
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال
إذا فزع أحدكم من النوم فليقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه عقابه وشر عباده ومن شر همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لا تضر وكان عبد الله بن عمر يعلمها من بلغ من عبيده ومن لم يبلغ كتبها في صك ثم علقها في عنقه
والخبر السادس
عن ابن عباس عن النبي
أنه كان يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما ويقول أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ويقول
كان أبي إبراهيم عليه السلام يعوذ بها اسمعيل وإسحق عليهما السلام
الخبر السابع
أنه عليه الصلاة والسلام كان يعظم أمر الاستعاذة حتى أنه لما تزوج امرأة ودخل بها فقالت أعوذ بالله منك فقال عليه الصلاة والسلام
عذت بمعاذ فالحقي بأهلك واعلم أن الرجل المستبصر بنور الله لا التفات له إلى القائل وإنما التفاته إلى القول فلما ذكرت تلك المرأة كلمة أعوذ بالله بقي قلب الرسول ( ﷺ ) مشتغلا بتلك الكلمة ولم يلتفت إلى أنها قالت تلك الكلمة عن قصد أم لا
والخبر الثامن
روى الحسن قال بينما رجل يضرب مملوكا له فجعل المملوك يقول أعوذ بالله إذ جاء نبي الله فقال أعوذ برسول الله فأمسك عنه فقال عليه السلام عائذ الله أحق أن يمسك عنك فقال فإني أشهدك يا رسول الله أنه حر لوجه الله فقال عليه الصلاة والسلام أما والذي نفسي بيده لو لم تقلها لدافع وجهك سفع النار
والخبر التاسع
قال سويد سمعت أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يقول على المنبر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وقال سمعت رسول الله يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فلا أحب أن أترك ذلك ما بقيت
والخبر العاشر
قوله عليه الصلاة والسلام أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من غضبك وأعوذ بك منك الركن الرابع من أركان هذا الباب الكلام في المستعاذ منه وهو الشيطان والمقصود من الاستعاذة دفع شر الشيطان واعلم أن شر الشيطان إما أن يكون بالوسوسة أو بغيرها كما ذكره في قول الله تعالى كما يقول الذي يتخبطه الشيطان من المس البقرة ٢٧٥ وفي هذا الباب مسائل غامضة دقيقة من العقليات ومن علوم المكاشفات
المسألة الأولى
اختلف الثاني في وجود الجن والشياطين فمن الناس من أنكر الجن والشياطين واعلم أنه لا بد أولا من البحث عن ماهية الجن والشياطين فنقول أطبق الكل على أنه ليس الجن والشياطين عبارة عن أشخاص جسمانية كثيفة تجيء وتذهب مثل الناس والبهائم بل القول المحصل فيه قولان الأول أنها أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة ولها عقول وأفهام وقدرة على أعمال صعبة شاقة والقول الثاني أن كثيرا من الناس أثبتوا أنها موجودات غير متحيزة ولا حالة في المتحيز وزعموا أنها موجودات مجردة عن الجسمية ثم هذه الموجودات قد تكون عالية مقدسة عن تدبير الأجسام بالكلية وهي الملائكة المقربون كما قال الله تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون الأنبياء ١٩ ويليها مرتبة الأرواح المتعلقة بتدبير الأجسام وأشرفها حملة العرش كما قال تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية الحاقة ١٧ والمرتبة الثانية الحافون حول العرش كما قال تعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش الزمر ٧٥ والمرتبة الثالثة ملائكة الكرسي والمرتبة الرابعة ملائكة السموات طبقة طبقة والمرتبة الخامسة ملائكة كرة الأثير والمرتبة السادسة ملائكة كرة الهواء الذي هو في طبع النسيم والمرتبة السابعة ملائكة كرة الزمهرير والمرتبة الثامنة مرتبة الأرواح المتعلقة بالبحار والمرتبة التاسعة مرتبة الأرواح المتعلقة بالجبال والمرتبة العاشرة مرتبة الأرواح السفلية المتصرفة في هذه الأجسام النباتية والحيوانية الموجودة في هذا العالم واعلم أنه على كلا القولين فهذه الأرواح قد تكون مشرقة إلهية خيرة سعيدة وهي المسماة بالصالحين من الجن وقد تكون كدرة سفلية شريرة شقية وهي المسماة بالشياطين