والخبر السادس
روى القاضي أبو بكر في الهداية أن عيسى ابن مريم عليهما السلام دعا ربه أن يريه موضع الشيطان من بني آدم فأراه ذلك فإذا رأسه مثل رأس الحية واضع رأسه على قلبه فإذا ذكر الله تعالى خنس وإذا لم يذكره وضع رأسه على حبة قلبه
والخبر السابع
قوله عليه السلام
إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم وقال
ما منكم أحد إلا وله شيطان قيل ولا أنت يا رسول الله قال
ولا أنا إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم والأحاديث في ذلك كثيرة والقدر الذي ذكرناه كاف
المسألة الثالثة
في بيان أن الجن مخلوق من النار والدليل عليه قوله تعالى والجان خلقناه من قبل من نار السموم الحجر ٢٧ وقال تعالى حاكيا عن إبليس لعنه الله أنه قال خلقتني من نار وخلقته من طين واعلم أن حصول الحياة في النار غير مستبعد ألا ترى أن الأطباء قالوا المتعلق الأول للنفس هو القلب والروح وهما في غاية السخونة وقال جالينوس إني بقرت مرة بطن قرد فأدخلت يدي في بطنه وأدخلت أصبعي في قلبه فوجدته في غاية السخونة بل تزيد ونقول أطبق الأطباء على أن الحياة لا تحصل إلا بسبب الحرارة الغريزية وقال بعضهم الأغلب على الظن أن كرة النار تكون مملوءة من الروحانيات
المسالة الرابعة
ذكروا قولين في أنهم لما سموا بالجن الأول أن لفظ الجن مأخوذ من الاستتار ومنه الجنة لاستتار أرضها بالأشجار ومنه الجنة لكونها ساترة للإنسان ومنه الجن لاستتارهم عن العيون ومنه المجنون لاستتار عقله ومنه الجنين لاستتاره في البطن ومنه قوله تعالى اتخذوا أيمانهم جنة المنافقون ٢ أي وقاية وسترا واعلم أن على هذا القول يلزم أن تكون الملائكة من الجن لاستتارهم عن العيون إلا أن يقال إن هذا من باب تقييد المطلق بسبب العرف والقول الثاني أنهم سموا بهذا الاسم لأنهم كانوا في أول أمرهم خزان الجنة والقول الأول أقوى
المسألة الخامسة
اعلم أن طوائف المكلفين أربعة الملائكة والإنس والجن والشياطين واختلفوا في الجن والشياطين فقيل الشياطين جنس والجن جنس آخر كما أن الإنسان جنس والفرس جنس آخر وقيل الجن منهم أخيار ومنهم أشرار والشياطين اسم لأشرار الجن
المسألة السادسة
المشهور أن الجن لهم قدرة على النفوذ في بواطن البشر وأنكر أكثر المعتزلة ذلك أما المثبتون فقد احتجوا بوجوه الأول أنه إن كان الجن عبارة عن موجود ليس بجسم ولا جسماني فحينئذ يكون معنى كونه قادرا على النفوذ في باطنه أنه يقدر على التصرف في باطنه وذلك غير مستبعد وإن كان عبارة عن حيوان هوائي لطيف نفاذ كما وصفناه كان نفاذه في باطن بني آدم أيضا غير ممتنع قياسا على النفس وغيره الثاني قوله تعالى لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس البقرة ٢٧٥ الثالث قوله عليه السلام
إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم أما المنكرون فقد احتجوا بأمور الأول قوله تعالى حكاية عن إبليس لعنه الله وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي إبراهيم ٢٢ صرح بأنه ما كان له على البشر سلطان إلا من الوجه الواحد وهو إلقاء الوسوسة والدعوة إلى الباطل الثاني لا شك أن الأنبياء والعلماء المحققين يدعون الناس إلى لعن الشيطان والبراءة منه فوجب أن تكون العداوة بين الشياطين وبينهم أعظم أنواع