اقرأ باسم ربك العلق ١ وأقول التقديم عندي أولى ويدل عليه وجوه الأول أنه تعالى قديم الوجود لذاته فيكون وجوده سابقا على غيره والسابق بالذات يستحق السبق في الذكر الثاني قال تعالى هو الأول والآخر الحديد ٣ وقال لله الأمر من قبل ومن بعد الروم ٤ الثالث أن التقديم في الذكر أدخل في التعظيم الرابع أنه قال إياك نعبد فههنا الفعل متأخر عن الاسم فوجب أن يكون في قوله بسم الله كذلك فيكون التقدير باسم الله أبتدئ الخامس سمعت الشيخ الوالد ضياء الدين عمر رضي الله عنه يقول سمعت الشيخ أبا القاسم الأنصاري يقول حضر الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير الميهني مع الأستاذ أبي القاسم القشيري فقال الأستاذ القشيري المحققون فإنهم ما رأوا شيئا إلا وكانوا قد رأوا الله قبله قلت وتحقيق الكلام أن الانتقال من المخلوق إلى الخالق إشارة إلى برهان الآن والنزول من الخالق إلى المخلوق برهان اللم ومعلوم أن برهان اللم أشرف وإذا ثبت هذا فمن أضمر الفعل أولا فكأنه انتقل من رؤية فعله إلى رؤية وجوب الاستعانة باسم الله ومن قال باسم الله ثم أضمر الفعل ثانيا فكأنه رأى وجوب الاستعانة بالله ثم نزل منه إلى أحوال نفسه
المسألة الثانية
إضمار الفعل أولى أم إضمار الاسم قال الشيخ أبو بكر الرازي نسق تلاوة القرآن يدل على أن المضمر هو الفعل وهو الأمر لأنه تعالى قال إياك نعبد وإياك نستعين والتقدير قولوا إياك نعبد وإياك نستعين فكذلك قوله بسم الله الرحمن الرحيم التقدير قولوا بسم الله وأقول لقائل أن يقول بل إضمار الاسم أولى لأنا إذا قلنا تقدير الكلام بسم الله ابتداء كل شيء كان هذا إخبارا عن كونه مبدأ في ذاته لجميع الحوادث وخالقا لجميع الكائنات سواء قاله قائل أو لم يقله وسواء ذكره ذاكر أو لم يذكره ولا شك أن هذا الاحتمال أولى وتمام الكلام فيه يجيء في بيان أن يقال قولوا الحمد لله أو الأولى أن يقال الحمد لله لأنه إخبار عن كونه في نفسه مستحقا للحمد سواء قاله قائل أو لم يقله
المسألة الثالثة
الجر يحصل بشيئين أحدهما بالحرف كما في قوله باسم والثاني بالإضافة كما في الله من قوله باسم الله وأما الجر الحاصل في لفظ الرحمن الرحيم فإنما حصل لكون الوصف تابعا للموصوف في الإعراب فههنا أبحاث أحدها أن حروف الجر لم اقتضت الجر وثانيها أن الإضافة لم اقتضت الجر وثالثها أن اقتضاء الحرف أقوى أو اقتضاء الإضافة ورابعها أن الإضافة على كم قسم تقع قالوا إضاقة الشيء إلى نفسه محال فبقي أن تقع الإضافة بين الجزء والكل أو بين الشيء والخارج عن ذات الشيء المنفصل عنه أما القسم الأول فنحو باب حديد وخاتم ذهب لأن ذلك الباب بعض الحديد وذلك الخاتم بعض الذهب وأما القسم الثاني فكقولك غلام زيد فإن المضاف إليه مغاير للمضاف بالكلية وأما أقسام النسب والإضافات فكأنها خارجة عن الضبط والتعديد فإن أنواع النسب غير متناهية
المسألة الرابعة
كون الاسم اسما للشيء نسبة بين اللفظة المخصوصة التي هي الاسم وبين الذات المخصوصة التي هي المسمى وتلك النسبة معناها أن الناس اصطلحوا على جعل تلك اللفظة المخصوصة معرفة لذلك الشيء المخصوص فكأنهم قالوا متى سمعتم هذه اللفظة منا فافهموا أنا أردنا بها ذلك المعنى الفلاني فلما حصلت هذه النسبة بين الاسم وبين المسمى لا جرم صحت إضافة الاسم إلى المسمى


الصفحة التالية
Icon