واعلم أن رحمة الله تعالى لا تذاق بالفم وإنما تذاق بالعقل وذلك يدل على أن القول بوجود السعادات الروحانية حق
المسألة الثالثة قال الزجاج إِذَا في قوله وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَة ً للشرط و إِذَا في قوله إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ جواب الشرط وهو كقوله وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَة ٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ( الروم ٣٦ ) والمعنى إذا أذقنا الناس رحمة مكروا وإن تصبهم سيئة قنطوا واعلم أن إِذَا في قوله إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ تفيد المفاجأة معناه أنهم في الحال أقدموا على المكر وسارعوا إليه
المسألة الرابعة سمي تكذيبهم بآيات الله مكراً لأن المكر عبارة عن صرف الشيء عن وجهه الظاهر بطريق الحيلة وهؤلاء يحتالون لدفع آيات الله بكل ما يقدرون عليه من إلقاء شبهة أو تخليط في مناظرة أو غير ذلك من الأمور الفاسدة قال مقاتل المراد من هذا المكر هو أن هؤلاء لا يقولون هذا رزق الله بل يقولون سقينا بنوء كذا
أما قوله تعالى قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ فالمعنى أن هؤلاء الكفار لما قابلوا نعمة الله بالمكر فالله سبحانه وتعالى قابل مكرهم بمكر أشد من ذلك وهو من وجهين الأول ما أعد لهم يوم القيامة من العذاب الشديد وفي الدنيا من الفضيحة والخزي والنكال والثاني أن رسل الله يكتبون مكرهم ويحفظونه وتعرض عليهم ما في بواطنهم الخبيثة يوم القيامة ويكون ذلك سبباً للفضيحة التامة والخزي والنكال نعوذ بالله تعالى منه
هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَة ٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الْحَيَواة ِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
في الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أنه تعالى لما قال وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَة ً مّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِى ءايَاتِنَا كان هذا الكلام كلاماً كلياً لا ينكشف معناه تمام الانكشاف إلا بذكر مثال كامل فذكر الله تعالى لنقل الإنسان من الضر الشديد إلى الرحمة مثالاً ولمكر الإنسان مثالاً حتى تكون هذه الآية كالمفسرة للآية


الصفحة التالية
Icon