أن إضافة الفعل إلى الفاعل هو الحقيقة فنقول وجب أيضاً أن يكون مسيراً لهم في البر بهذا التفسير إذ لو كان مسيراً لهم في البر بمعنى إعطاء الآلات والأدوات لكان مجازاً بهذا الوجه فيلزم كون اللفظ الواحد حقيقة ومجازاً دفعة واحدة وذلك باطل
واعلم أن مذهب الجبائي أنه لامتناع في كون اللفظ حقيقة ومجازاً بالنسبة إلى المعنى الواحد وأما أبو هاشم فإنه يقول إن ذلك ممتنع إلا أنه يقول لا يبعد أن يقال إنه تعالى تكلم به مرتين
واعلم أن قول الجبائي قد أبطلناه في أصول الفقه وقول أبي هاشم أنه تعالى تكلم به مرتين أيضاً بعيد لأن هذا قول لم يقل به أحد من الأمة ممن كانوا قبله فكان هذا على خلاف الإجماع فيكون باطلاً
واعلم أنه بقي في هذه الآية سؤالات
السؤال الأول كيف جعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر مع أن الكون في الفلك متقدم لا محالة على التسيير في البحر
والجواب لم يجعل الكون في الفلك غاية للتسيير بل تقدير الكلام كأنه قيل هو الذي يسيركم حتى إذا وقع في جملة تلك التسييرات الحصول في الفلك كان كذا وكذا
السؤال الثاني ما جواب إِذَا في قوله حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ
الجواب هو أن جوابها هو قوله جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ثم قال صاحب ( الكشاف )
وأما قوله دَّعَوَا اللَّهَ فهو بدل من ظنوا لأن دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك وقال بعض الأفاضل لو حمل قوله دَّعَوَا اللَّهَ على الاستئناف كان أوضح كأنه لما قيل جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ قال قائل فما صنعوا فقيل دَّعَوَا اللَّهَ
السؤال الثالث ما الفائدة في صرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة
الجواب فيه وجوه الأول قال صاحب ( الكشاف ) المقصود هو المبالغة كأنه تعالى يذكر حالهم لغيرهم لتعجيبهم منها ويستدعى منهم مزيد الإنكار والتقبيح الثاني قال أبو علي الجبائي إن مخاطبته تعالى لعباده هي على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام فهي بمنزلة الخبر عن الغائب وكل من أقام الغائب مقام المخاطب حسن منه أن يرده مرة أخرى إلى الغائب الثالث وهو الذي خطر بالبال في الحال أن الانتقال في الكلام من لفظ الغيبة إلى لفظ الحضور فإنه يدل على مزيد التقرب والإكرام وأما ضده وهو الانتقال من لفظ الحضور إلى لفظ الغيبة يدل على المقت والتبعيد
أما الأول فكما في سورة الفاتحة فإن قوله الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( الفاتحة ٢ ٣ ) كله مقام الغيبة ثم انتقل منها إلى قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( الفاتحة ٥ ) وهذا يدل على أن العبد كأنه انتقل من مقام الغيبة إلى مقام الحضور وهو يوجب علو الدرجة وكمال القرب من خدمة رب العالمين
وأما الثاني فكما في هذه الآية لأن قوله حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ خطاب الحضور وقوله وَجَرَيْنَ بِهِم مقام الغيبة فههنا انتقل من مقام الحضور إلى مقام الغيبة وذلك يدل على المقت والتبعيد


الصفحة التالية
Icon