وتعالى وهذا يدل على أن المخاطبين بهذا الكلام كانوا يعرفون الله ويقرون به وهم الذين قالوا في عبادتهم للأصنام إنها تقربنا إلى الله زلفى وإنهم شفعاؤنا عند الله وكانوا يعلمون أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر فعند ذلك قال لرسوله عليه السلام فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ يعني أفلا تتقون أن تجعلوا هذه الأوثان شركاء لله في المعبودية مع اعترافكم بأن كل الخيرات في الدنيا والآخرة إنما تحصل من رحمة الله وإحسانه واعترافكم بأن هذه الأوثان لا تنفع ولا تضر ألبتة
ثم قال تعالى فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ ومعناه أن من هذه قدرته ورحمته هو رَبُّكُمُ الْحَقُّ الثابت ربوبيته ثباتاً لا ريب فيه وإذا ثبت أن هذا هو الحق وجب أن يكون ما سواه ضلالاً لأن النقيضين يمتنع أن يكونا حقين وأن يكونا باطلين فإذا كان أحدهما حقاً وجب أن يكون ما سواه باطلاً
ثم قال فَأَنَّى تُصْرَفُونَ والمعنى أنكم لما عرفتم هذا الأمر الواضح الظاهر فَأَنَّى تُصْرَفُونَ وكيف تستجيزون العدول عن هذا الحق الظاهر واعلم أن الجبائي قد استدل بهذه الآية وقال هذا يدل على بطلان قول المجبرة أنه تعالى يصرف الكفار عن الإيمان لأنه لو كان كذلك لما جاز أن يقول فَأَنَّى تُصْرَفُونَ كما لا يقول إذا أعمى بصر أحدهم إني عميت واعلم أن الجواب عنه سيأتي عن قريب
أما قوله كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ففيه مسائل
المسألة الأولى احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الكفر بقضاء الله تعالى وإرادته وتقريره أنه تعالى أخبر عنهم خبراً جزماً قطعاً أنهم لا يؤمنون فلو آمنوا لكان إما أن يبقى ذلك الخبر صدقاً أو لا يبقى والأول باطل لأن الخبر بأنه لا يؤمن يمتنع أن يبقى صدقاً حال ما يوجد الإيمان منه والثاني أيضاً باطل لأن انقلاب خبر الله تعالى كذباً محال فثبت أن صدور الإيمان منهم محال والمحال لا يكون مراداً فثبت أنه تعالى ما أراد الإيمان من هذا الكافر وأنه أراد الكفر منه ثم نقول إن كان قوله فَأَنَّى تُصْرَفُونَ يدل على صحة مذهب القدرية فهذه الآية الموضوعة بجنبه تدل على فساده وقد كان من الواجب على الجبائي مع قوة خاطره حين استدل بتلك الآية على صحة قوله أن يذكر هذه الحجة ويجيب عنها حتى يحصل مقصوده
المسألة الثانية قرأ نافع وابن عامر كَلِمَاتُ رَبَّكَ على الجمع وبعده إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَاتُ رَبَّكَ ( يونس ٩٦ ) وفي حم المؤمن كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَاتُ ( غافر ٦ ) كله بالألف على الجمع والباقون كَلِمَتُ رَبّكَ في جميع ذلك على لفظ الوحدان
المسألة الثالثة الكاف في قوله كَذالِكَ للتشبيه وفيه قولان الأول أنه كما ثبت وحق أنه ليس بعد الحق إلا الضلال كذلك حقت كلمة ربك بأنهم لا يؤمنون الثاني كما حق صدور العصيان منهم كذلك حقت كلمة العذاب عليهم
المسألة الرابعة أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بدل من كَلِمَاتُ أي حق عليهم انتفاء الإيمان
المسألة الخامسة المراد من كلمة الله إما إخباره عن ذلك وخبره صدق لا يقبل التغير والزوال أو علمه بذلك وعلمه لا يقبل التغير والجهل وقال بعض المحققين علم الله تعلق بأنه لا يؤمن وخبره


الصفحة التالية
Icon