الحجة الثالثة أن عجائب حكمة الله تعالى في تخليق العين التي هي محل الأبصار أكثر من عجائب خلقته في الأذن التي هي محل السماع فإنه تعالى جعل تمام روح واحد من الأرواح السبعة الدماغية من العصب آلة للأبصار وركب العين من سبع طبقات وثلاث رطوبات وخلق لتحريكات العين عضلات كثيرة على صورة مختلفة والأذن ليس كذلك وكثرة العناية في تخليق الشيء تدل على كونه أفضل من غيره
الحجة الرابعة أن البصر يرى ماحصل فوق سبع سموات والسمع لا يدرك ما بعد منه على فرسخ فكان البصر أقوى وأفضل وبهذا البيان يدفع قولهم إن السمع يدرك من كل الجوانب والبصر لا يدرك إلا من الجانب الواحد
الحجة الخامسة أن كثيراً من الأنبياء سمع كلام الله في الدنيا واختلفوا في أنه هل رآه أحد في الدنيا أم لا وأيضاً فإن موسى عليه السلام سمع كلامه من غير سبق سؤال والتماس ولما سأل الرؤية قال لَن تَرَانِى ( الأعراف ١٤٣ ) وذلك يدل على أن حال الرؤية أعلى من حال السماع
الحجة السادسة قال ابن الأنباري كيف يكون السمع أفضل من البصر وبالبصر يحصل جمال الوجه وبذهابه عيبه وذهاب السمع لا يورث الإنسان عيباً العرب تسمي العينين الكريمتين ولا تصف السمع بمثل هذا ومنه الحديث يقول الله تعالى ( من أذهبت كريمته فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً دون الجنة )
المسألة الثالثة احتج أصحابنا بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى قالوا الآية دالة على أن قلوب أولئك الكفار بالنسبة إلى الإيمان كالأصم بالنسبة إلى استماع الكلام وكالأعمى بالنسبة إلى إبصار الأشياء وكما أن هذا ممتنع فكذلك ما نحن فيه قالوا والذي يقوي ذلك أن حصول العداوة القوية الشديدة وكذلك حصول المحبة الشديدة في القلب ليس باختيار الإنسان لأن عند حصول هذه العداوة الشديدة يجد وجداناً ضرورياً أن القلب يصير كالأصم والأعمى في استماع كلام العدو وفي مطالعة أفعاله الحسنة وإذا كان الأمر كذلك فقد حصل المطلوب وأيضاً لما حكم الله تعالى عليها حكماً جازماً بعدم الإيمان فحينئذ يلزم من حصول الإيمان انقلاب علمه جهلاً وخبره الصدق كذباً وذلك محال وأما المعتزلة فقد احتجوا على صحة قولهم بقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَاكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وجه الاستدلال به أنه يدل على أنه تعالى ما ألجأ أحداً إلى هذه القبائح والمنكرات ولكنهم باختيار أنفسهم يقدمون عليها ويباشرونها
أجاب الواحدي عنه فقال إنه تعالى إنما نفى الظلم عن نفسه لأنه يتصرف في ملك نفسه ومن كان كذلك لم يكن ظالماً وإنما قال وَلَاكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ لأن الفعل منسوب إليهم بسبب الكسب
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَة ً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ