ستنتهي إلى حالة تحمد الله وتشكره على أن اكتفي منك بذلك العمل وهذا يذكر في معرض التهديد
ثم قال وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً قال ابن عباس يريد بين النفختين الأولى والثانية فإنه يزال عنهم العذاب في ذلك الوقت والدليل عليه قوله في سورة يس مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( يس ٥٢ ) فظنهم بأن هذا لبث قليل عائد إلى لبثهم فيما بين النفختين وقال الحسن معناه تقريب وقت البعث فكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل فهذا يرجع إلى استقلال مدة اللبث في الدنيا وقيل المراد استقلال لبثهم في عرصة القيامة لأنه لما كانت عاقبة أمرهم الدخول في النار استقصروا مدة لبثهم في برزخ القيامة
القول الثاني أن الكلام مع الكفار تم عند قوله عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا وأما قوله يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ فهو خطاب مع المؤمنين لا مع الكافرين لأن هذا الكلام هو اللائق بالمؤمنين لأنهم يستجيبون لله بحمده ويحمدونه على إحسانه إليهم والقول الأول هو المشهور والثاني ظاهر الاحتمال
وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى هِى َ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى السَّمَاوَاتِ والأرض وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا
اعلم أن قوله قُل لّعِبَادِى َ فيه قولان
القول الأول أن المراد به المؤمنون وذلك لأن لفظ العباد في أكثر آيات القرآن مختص بالمؤمنين قال تعالى فَبَشّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ( الزمر ١٧ ١٨ ) وقال فَادْخُلِى فِى عِبَادِى ( الفجر ٢٩ ) وقال عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ( الإنسان ٦ )
إذا عرفت هذا فنقول إنه تعالى لما ذكر الحجة اليقينية في إبطال الشرك وهو قوله لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءالِهَة ٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً ( الإسراء ٤٢ ) وذكر الحجة اليقينية في صحة المعاد وهو قوله قُلِ الَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة ٍ ( الإسراء ٥١ ) قال في هذه الآية وقل يا محمد لعبادي إذا أردتم إيراد الحجة على المخالفين فاذكروا تلك الدلائل بالطريق الأحسن وهو أن لا يكون ذكر الحجة مخلوطاً بالشتم والسب ونظير هذه الآية قوله ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَة ِ وَالْمَوْعِظَة ِ الْحَسَنَة ِ ( النحل ١٢٥ ) وقوله وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِى َ أَحْسَنُ ( العنكبوت ٤٦ ) وذلك لأن ذكر الحجة لو اختلط به شيء من السب والشتم لقابلوكم بمثله كما قال وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ( الأنعام ١٠٨ ) ويزداد الغضب وتتكامل النفرة ويمتنع حصول المقصود أما إذا وقع الاقتصار على ذكر الحجة بالطريق


الصفحة التالية
Icon