رفع التكليف عنهم فيأكلون من غير حساب بخلاف الدنيا فإن الثمار فيها على حساب أو عقاب ووجه آخر وهو أن الآكل في الدنيا لا يخلو عن استنتاج قبيح أو مكروه كمرض أو حاجة إلى تبرز فقال وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَة ٌ لا قبيح على الآكل بل مستور القبائح مغفور وهذا استفدته من المعلمين في بلادنا فإنهم يعودون الصبيان بأن يقولون وقت حاجتهم إلى إراقة البول وغيره يا معلم غفر الله لك فيفهم المعلم أنهم يطلبون الإذن في الخروج لقضاء الحاجة فيأذن لهم فقلت في نفسي معناه هو أن الله تعالى في الجنة غفر لمن أكل وأما في الدنيا فلأن للأكل توابع ولوازم لا بد منها فيفهم من قولهم حاجتهم
ثم قال تعالى كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ وفيه أيضاً مسائل
المسألة الأولى على قول من قال مَّثَلُ الْجَنَّة ِ معناه وصف الجنة فقوله كَمَنْ هُوَ بماذا يتعلق نقول قوله لَّهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثَّمَراتِ يتضمن كونهم فيها فكأنه قال هو فيها كمن هو خالد في النار فالمشبه يكون محذوفاً مدلولاً عليه بما سبق ويحتمل أن يقال ما قيل في تقرير قول الزمخشري أن المراد هذه الجنة التي مثلها ما ذكرنا كمقام من هو خالد في النار
المسألة الثانية قال الزجاج قوله تعالى كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ راجع إلى ما تقدم كأنه تعالى قال أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار فهل هو صحيح أم لا نقول لنا نظر إلى اللفظ فيمكن تصحيحه بتعسف ونظر إلى المعنى لا يصح إلا بأن يعود إلى ما ذكرناه أما التصحيح فبحذف كمن في المرة الثانية أو جعله بدلاً عن المتقدم أو بإضمار عاطف يعطف كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ على كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ أو كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ وأما التعسف فبيّن نظراً إلى الحذف وإلى الإضمار مع الفاصل الطويل بين المشبه والمشبه به وأما طريقة البدل ففاسدة وإلا لكان الاعتماد على الثاني فيكون كأنه قال أفمن كان على بينة كمن هو خالد وهو سمج في التشبيه تعالى كلام الله عن ذلك والقول في إضمار العاطف كذلك لأن المعطوف أيضاً يصير مستقلاً في التشبيه اللّهم إلا أن يقال المجموع بالمجموع كأنه يقول أفمن كان على بينة من ربه وهو في الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار وعلى هذا تقع المقابلة بين من هو على بينة من ربه وبين من زين له سوء عمله وبين من في الجنة وبين من هو خالد في النار وقد ذكرناه فلا حاجة إلى خلط الآية بالآية وكيف وعلى ما قاله تقع المقابلة بين من هو في النار وسقوا ماءً حميماً وبين من هو على بينة من ربه وأية مناسبة بينهما بخلاف ما ذكرناه من الوجوه الأخر فإن المقابلة بين الجنة التي فيها الأنهار وبين النار التي فيها الماء الحميم وذلك تشبيه إنكار مناسب
المسألة الثالثة قال كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ حملاً على اللفظ الواحد وقال وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً على المعنى وهو جمع وكذلك قال من قبل كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ ( محمد ١٤ ) على التوحيد والإفراد وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ على الجمع فما الوجه فيه نقول المسند إلى من إذا كان متصلاً فرعاية اللفظ أولى لأنه هو المسموع إذا كان مع انفصال فالعود إلى المعنى أولاً لأن اللفظ لا يبقى في السمع والمعنى يبقى في ذهن السامع فالحمل في الثاني على المعنى أولى وحمل الأول على اللفظ أولى فإن قيل كيف قال في سائر المواضع مَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ( سبأ ٣٧ ) و فَمَن تَابَ وَأَصْلَحَ ( المائدة ٣٩ ) نقول إذا كان المعطوف مفرداً أو شبيهاً


الصفحة التالية
Icon