نعم فهو مقرر عندك وعندي
المسألة الثالثة عسى للتوقيع والله تعالى عالم بكل شيء فنقول فيه ما قلنا في لعل وفي قوله لِنَبْلُوَهُمْ ( الكهف ٧ ) إن بعض الناس قال يفعل بكم فعل المترجي والمبتلي والمتوقع وقال آخرون كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك ونحن قلنا محمول على الحقيقة وذلك لأن الفعل إذا كان ممكناً في نفسه فالنظر إليه غير مستلزم لأمر وإنما الأمر يجوز أن يحصل منه تارة ولا يحصل منه أخرى فيكون الفعل لذلك الأمر المطلوب على سبيل الترجي سواء كان الفاعل يعلم حصول الأمر منه وسواء أن لم يكن يعلم مثاله من نصب شبكة لاصطياد الصيد يقال هو متوقع لذلك فإن حصل له العلم بوقوعه فيه بإخبار صادق أنه سيقع فيه أو بطريق أخرى لا يخرج عن التوقع غاية ما في الباب أن في الشاهد لم يحصل لنا العلم فيما نتوقعه فيظن أن عدم العلم لازم للمتوقع وليس كذلك بل المتوقع هو المنتظر لأمر ليس بواجب الوقوع نظراً لذلك الأمر فحسب سواء كان له به علم أو لم يكن وقوله إِن تَوَلَّيْتُمْ فيه وجهان أحدهما أنه من الولاية يعني إن أخذتم الولاية وصار الناس بأمركم أفسدتم وقطعتم الأرحام وثانيهما هو من التولي الذي هو الإعراض وهذا مناسب لما ذكرنا أي كنتم تتركون القتال وتقولون فيه الإفساد وقطع الأرحام لكون الكفار أقاربنا فلا يقع منكم إلا ذلك حيث تقاتلون على أدنى شيء كما كان عادة العرب الأول يؤكده قراءة علي عليه السلام توليتم أي إن تولاكم ولاة ظلمة جفاة غشمة ومشيتم تحت لوائهم وأفسدتم بإفسادهم معهم وقطعتم أرحامكم والنبي عليه السلام لا يأمركم إلا بالإصلاح وصلة الأرحام فلم تتقاعدون عن القتال وتتباعدون في الضلال
أَوْلَائِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ
إشارة لمن سبق ذكرهم من المنافقين أبعدهم الله عنه أو عن الخير فأصمهم فلا يسمعون الكلام المستبين وأعماهم فلا يتبعون الصراط المستقيم وفيه ترتيب حسن وذلك من حيث إنهم استمعوا الكلام العلمي ولم يفهموه فهم بالنسبة إليه صم أصمهم الله وعند الأمر بالعمل تركوه وعللوا بكونه إفساداً وقطعاً للرحم وهم كانوا يتعاطونه عند النهي عنه فلم يروا حالهم عليه وتركوا اتباع النبي الذي يأمرهم بالإصلاح وصلة الأرحام ولو دعاهم من يأمر بالإفساد وقطيعة الرحم لاتبعوه فهم عمي أعماهم الله وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال أصمهم ولم يقل أصم آذانهم وقال وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ولم يقل أعماهم وذلك لأن العين آلة الرؤية ولو أصابها آفة لا يحصل الإبصار والأذن لو أصابها آفة من قطع أو قلع تسمع الكلام لأن الأذن خلقت وخلق فيها تعاريج ليكثر فيها الهواء المتموج ولا يقرع الصماخ بعنف فيؤذي كما يؤذي الصوت القوي فقال أصمهم من غير ذكر الأذن وقال أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ مع ذكر العين لأن البصر ههنا بمعنى العين ولهذا جمعه بالأبصار ولو كان مصدراً لما جمع فلم يذكر الأذن إذ لا مدخل لها في الإصمام والعين لها مدخل في الرؤية بل هي الكل ويدل عليه أن الآفة في غير هذه المواضع لما أضافها إلى الأذن سماها وقراً كما قال تعالى وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى ( فصلت ٥ ) وقال كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْراً ( لقمان ٧ ) والوقر دون الصم وكذلك الطرش


الصفحة التالية
Icon