الصلاة والسلام فإنهم كانوا مكابرين معاندين وكانوا يعرفون رسول الله ( ﷺ ) كما يعرفون أبناءهم وقرىء إِسْرَارَهُمْ بكسر الهمزة على المصدر وما ذكرنا من المعنى ظاهر على هذه القراءة فإنهم كانوا يسرون نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وعلى قولنا المراد من الذين ارتدوا المنافقون فكانوا يقولون للمجاهدين من الكفار سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الاْمْرِ ( محمد ٢٦ ) وكانوا يسرون أنهم إن غلبوا انقلبوا كما قال الله تعالى ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم وقال تعالى وقال تعالى فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَة ٍ حِدَادٍ ( الأحزاب ١٥ )
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَة ُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ
اعلم أنه لما قال الله تعالى وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( محمد ٢٦ ) قال فهب أنهم يسرون والله لا يظهره اليوم فكيف يبقى مخفياً وقت وفاتهم أو نقول كأنه تعالى قال وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ وهب أنهم يختارون القتال لما فيه الضراب والطعان مع أنه مفيد على الوجهين جميعاً إن غلبوا فالمال في الحال والثواب في المآل وإن غلبوا فالشهادة والسعادة فكيف حالهم إذا ضرب وجوههم وأدبارهم وعلى هذا فيه لطيفة وهي أن القتال في الحال إن أقدم المبارزة فربما يهزم الخصم ويسلم وجهه وقفاه وإن لم يهزمه فالضرب على وجهه إن صبر وثبت وإن لم يثبت وانهزم فإن فات القرن فقد سلم وجهه وقفاه وإن لم يفته فالضرب على قفاه لا غير ويوم الوفاة لا نصرة له ولا مفر فوجهه وظهره مضروب مطعون فكيف يحترز عن الأذى ويختار العذاب الأكبر
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ
قوله تعالى ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُواْ مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى ذكر أمرين ضرب الوجه وضرب الأدبار وذكر بعدهما أمرين آخرين اتباع ما أسخط الله وكراهة رضوانه فكأنه تعالى قابل الأمرين فقال يضربون وجوههم حيث أقبلوا على سخط الله فإن المتسع للشيء متوجه إليه ويضربون أدبارهم لأنهم تولوا عما فيه رضا الله فإن الكاره للشيء يتولى عنه وما أسخط الله يحتمل وجوهاً الأول إنكار الرسول عليه الصلاة والسلام ورضوانه الإقرار به والإسلام الثاني الكفر هو ما أسخط الله والإيمان يرضيه يدل عليه قوله تعالى إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِى ٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ اللَّهُ لَكُمْ ( الزمر ٧ ) وقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة ِ


الصفحة التالية
Icon