أحدهما أنه ذكره بياناً للاستغناء كما قال تعالى إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ( إبراهيم ١٩ ) وقد ذكر أن هذا تقرير بعد التسليم كأنه تعالى يقول الله غني عن العالم بأسره فلا حاجة له إليكم فإن كان ذاهب يذهب إلى أن ملكه بالعالم وجبروته يظهر به وعظمته بعباده فنقول هب أن هذا الباطل حق لكنكم غير متعينين له بل الله قادر على أن يخلق خلقاً غيركم يفتخرون بعبادته وعالماً غير هذا يشهد بعظمته وكبريائه وثانيهما أنه تعالى لما بيّن الأمور وأقام عليها البراهين وأوضحها بالأمثلة قال إن أطعتم فلكم أجوركم وزيادة وإن تتولوا لم يبق لكم إلا الإهلاك فإن ما من نبي أنذر قومه وأصروا على تكذيبه إلا وقد حق عليهم القول بالإهلاك وطهر الله الأرض منهم وأتى بقوم آخرين طاهرين وقوله ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم فيه مسألة نحوية يتبين منها فوائد عزيزة وهي أن النحاة قالوا يجوز في المعطوف على جواب الشرط بالواو والفاء وثم الجزم والرفع جميعاً قال الله تعالى ههنا وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم بالجزم وقال في موضع آخر وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاْدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ( آل عمران ١١١ ) بالرفع بإثبات النون وهو مع الجواز ففيه تدقيق وهو أن ههنا لا يكون متعلقاً بالتولي لأنهم إن لم يتولوا يكونون ممن يأتي بهم الله على الطاعة وإن تولوا لا يكونون مثلهم لكونهم عاصين كون من يأتي بهم مطيعين وأما هناك سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون فلم يكن للتعليق هناك وجه فرفع بالابتداء وههنا جزم للتعليق
وقوله ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم في الوصف ولا في الجنس وهو لائق الوجه الثاني وفيه وجوه أحدها قوم من العجم ثانيها قوم من فارس روي أن النبي ( ﷺ ) سئل عمن يستبدل بهم إن تولوا وسلمان إلى جنبه فقال ( هذا وقومه ) ثم قال ( لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لناله رجال من فارس ) و ثالثها قوم من الأنصار والله أعلم