( الواقعة ٨٩ ) وذلك لأن الخائف من المقربين والمقرب في روح وريحان وجنة نعيم وأما اللطيفة فنقول لما قال تعالى في حق المجرم إنه يطوف بين نار وبين حميم آن وهما نوعان ذكر لغيره وهو الخائف جنتين في مقابلة ما ذكر في حق المحرم لكنه ذكر هناك أنهم يطوفون فيفارقون عذاباً ويقعون في الآخر ولم يقل ههنا يطوفون بين الجنتين بل جعلهم الله تعالى ملوكاً وهم فيها يطاف عليهم ولا يطاف بهم احتراماً لهم وإكراماً في حقهم وقد ذكرنا في قوله تعالى مَّثَلُ الْجَنَّة ِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ( الرعد ٣٥ ) وقوله إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ ( الذاريات ١٥ ) أنه تعالى ذكر الجنة والجنات فهي لاتصال أشجارها ومساكنها وعدم وقوع الفاصل بينهما كمهامه وقفار صارت كجنة واحدة ولسعتها وتنوع أشجارها وكثرة مساكنها كأنها جنات ولاشتمالها على ما تلتذ به الروح والجسم كأنها جنتان فالكل عائد إلى صفة مدح
ثم قال تعالى
ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ فَبِأَى ِّ ءَالا ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
هي جمع فنن أي ذواتا أغصان أو جمع فن أي فيهما فنون من الأشجار وأنواع من الثمار فإن قيل أي الوجهين أقوى نقول الأول لوجهين أحدهما أن الأفنان في جمع فنن هو المشهور والفنون في جمع الفن كذلك ولا يظن أن الأفنان والفنون جمع فن بل كل واحد منهما جمع معرف بحرف التعريف والأفعال في فعل كثير والفعول في فعل أكثر ثانيهما قوله تعالى فِيهِمَا مِن كُلّ فَاكِهَة ٍ زَوْجَانِ ( الرحمن ٥٢ ) مستقل بما ذكر من الفائدة ولأن ذلك فيما يكون ثابتاً لا تفاوت فيه ذهناً ووجوداً أكثر فإن قيل كيف تمدح بالأفنان والجنات في الدنيا ذوات أفنان كذلك نقول فيه وجهان أحدهما أن الجنات في الأصل ذوات أشجار والأشجار ذوات أغصان والأغصان ذوات أزهار وأثمار وهي لتنزه الناظر إلا أن جنة الدنيا لضرورة الحاجة وجنة الآخرة ليست كالدنيا فلا يكون فيها إلا ما فيه اللذة وأما الحاجة فلا وأصول الأشجار وسوقها أمور محتاج إليها مانعة للإنسان عن التردد في البستان كيفما شاء فالجنة فيها أفنان عليها أوراق عجيبة وثمار طيبة من غير سوق غلاظ ويدل عليه أنه تعالى لم يصف الجنة إلا بما فيه اللذة بقوله ذَوَاتَا أَفْنَانٍ أي الجنة هي ذات فنن غير كائن على أصل وعرف بل هي واقفة في الجو وأهلها من تحتها والثاني من الوجهين هو أن التنكير للأفنان للتكثير أو للتعجب
ثم قال تعالى
فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَى ِّ ءَالا ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَة ٍ زَوْجَانِ فَبِأَى ِّ ءَالا ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
أي في كل واحدة منهما عين جارية كما قال تعالى فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَة ٌ وفي كل واحدة منهما من الفواكه نوعان وفيها مسائل بعضها يذكر عند تفسير قوله تعالى فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فِيهِمَا فَاكِهَة ٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ( الرحمن ٦٦ ٦٨ ) وبعضها يذكر ههنا
المسألة الأولى هي أن قوله ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ( الرحمن ٤٨ ) و فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ و فِيهِمَا مِن كُلّ فَاكِهَة ٍ زَوْجَانِ كلها أوصاف للجنتين المذكورتين فهو كالكلام الواحد تقديره جنتان ذواتا أفنان ثابت فيهما عينان كائن فيهما من كل فاكهة زوجان فإن قيل ما الفائدة في فصل بعضها عن بعض