متتابعة لا يعطي شيئاً بعد شيء إلا ويظن الظان أنه ذلك أو خير منه ويمكن أن يجاب عنه تقريراً لما اختاره الزمخشري أن الجنتين اللتين دون الأولين لذريتهم اللذين ألحقهم الله بهم ولأتباعهم ولكنه إنما جعلهما لهم إنعاماً عليهم أي هاتان الأخريان لكم أسكنوا فيهما من تريدون الثاني أن المراد دونهما في المكان كأنهم في جنتين ويطلعوا من فوق على جنتين أخريين دونهما ويدل عليه قوله تعالى لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ ( الزمر ٢٠ ) الآية والغرف العالية عندها أفنان والغرف التي دونها أرضها مخضرة وعلى هذا ففي الآيات لطائف
الأولى قال في الأوليين ذَوَاتَا أَفْنَانٍ وقال في هاتين مُدْهَامَّتَانِ أي مخضرتان في غاية الخضرة وإدهام الشيء أي اسواد لكن لا يستعمل في بعض الأشياء والأرض إذا اخضرت غاية الخضرة تضرب إلى أسود ويحتمل أن يقال الأرض الخالية عن الزرع يقال لها بياض أرض وإذا كانت معمورة يقال لها سواد أرض كما يقال سواد البلد وقال النبي ( ﷺ ) ( عليكم بالسواد الأعظم ومن كثر سواد قوم فهو منهم ) والتحقيق فيه أن ابتداء الألوان هو البياض وانتهاءها هو السواد فإن الأبيض يقبل كل لون والأسود لا يقبل شيئاً من الألوان ولهذا يطلق الكافر على الأسود ولا يطلق على لون آخر ولما كانت الخالية عن الزرع متصفة بالبياض واللاخالية بالسواد فهذا يدل على أنهما تحت الأوليين مكاناً فهم إذا نظروا إلى ما فوقهم يرون الأفنان تظلهم وإذا نظروا إلى ما تحتهم يرون الأرض مخضرة وقوله تعالى فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ أي فائرتان ماؤهما متحرك إلى جهة فوق وأما العينان المتقدمتان فتجريان إلى صوب المؤمنين فكلاهما حركتهما إلى جهة مكان أهل الإيمان وأما قول صاحب الكشاف النضخ دون الجري فغير لازم لجواز أن يكون الجري يسيراً والنضخ قوياً كثيراً بل المراد أن النضخ فيه الحركة إلى جهة العلو والعينان في مكان المؤمنين فحركة الماء تكون إلى جهتهم فالعينان الأوليان في مكانهم فتكون حركة مائهما إلى صوب المؤمنين جرياً
بم وأما قوله تعالى
فِيهِمَا فَاكِهَة ٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَى ِّ ءَالا ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
فهو كقوله تعالى فِيهِمَا مِن كُلّ فَاكِهَة ٍ زَوْجَانِ ( الرحمن ٥٢ ) وذلك لأن الفاكهة أرضية نحوه البطيخ وغيره من الأرضيات المزروعات وشجرية نحو النخل وغيره من الشجريات فقال مُدْهَامَّتَانِ ( الرحمن ٦٤ ) بأنواع الخضر التي منها الفواكه الأرضية وفيهما أيضاً الفواكه الشجرية وذكر منها نوعين وهما الرمان والرطب لأنهما متقابلان فأحدهما حلو والآخر غير حلو وكذلك أحدهما حار والآخر بارد وأحدهما فاكهة وغذاء والآخر فاكهة وأحدهما من فواكه البلاد الحارة والآخر من فواكه البلاد الباردة وأحدهما أشجاره في غاية الطول والآخر أشجاره بالضد وأحدهما ما يؤكل منه بارز ومالا يؤكل كامن والآخر بالعكس فهما كالضدين والإشارة إلى الطرفين تتناول الإشارة إلى ما بينهما كما قال


الصفحة التالية
Icon