الأدباء التزامه فإنهم في الجمع إذا نسبوا ردوه إلى الواحد وهذا القارىء تكلف في الواحد ورده إلى الجمع ثم نسبه لأن عند العرب ليس في الوجود بلاد كلها عبقر حتى تجمع ويقال عباقر فهذا تكلف الجمع فيما لا جمع له ثم نسب إلى ذلك الجمع والأدباء تكره الجمع فيما ينسب لئلا يجمعوا بين الجمع والنسبة
ثم قال تعالى
تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ
وفيه مسائل
المسألة الأولى في الترتيب وفيه وجوه أحدها أنه تعالى لما ختم نعم الدنيا بقوله تعالى فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإكْرَامِ ختم نعم الآخرة بقوله تَبَارَكَ اسْمُ رَبّكَ ذِى الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ إشارة إلى أن الباقي والدائم لذاته هو الله تعالى لا غير والدنيا فانية والآخرة وإن كانت باقية لكن بقاؤها بإبقاء الله تعالى ثانيها هو أنه تعالى في أواخر هذه السور كلها ذكر اسم الله فقال في السورة التي قبل هذه عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ ( القمر ٥٥ ) وكون العبد عند الله من أتم النعم كذلك ههنا بعد ذكر الجنات وما فيها من النعم قال تَبَارَكَ اسْمُ رَبّكَ ذِى الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ إشارة إلى أن أتم النعم عند الله تعالى وأكمل اللذات ذكر الله تعالى وقال في السورة التي بعد هذه فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّة ٍ نَعِيمٍ ( الواقعة ٨٩ ) ثم قال تعالى في آخر السورة فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ ( الواقعة ٩٦ ) ثالثها أنه تعالى ذكر جميع الذات في الجنات ولم يذكر لذة السماع وهي من أتم أنواعها فقال مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ يسمعون ذكر الله تعالى
المسألة الثانية أصل التبارك من البركة وهي الدوام والثبات ومنها بروك البعير وبركة الماء فإن الماء يكون فيها دائماً وفيه وجوه أحدها دام اسمه وثبت وثانيها دام الخير عنده لأن البركة وإن كانت من الثبات لكنها تستعمل في الخير وثالثها تبارك بمعنى علا وارتفع شأناً لا مكاناً
المسألة الثالثة قال بعد ذكر نعم الدنيا وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ( الرحمن ٢٧ ) وقال بعد ذكر نعم الآخرة تَبَارَكَ اسْمُ رَبّكَ لأن الإشارة بعد عد نعم الدنيا وقعت إلى عدم كل شيء من الممكنات وفنائها في ذواتها واسم الله تعالى ينفع الذاكرين ولا ذاكر هناك يوحد الله غاية التوحيد فقال ويبقى وجه الله تعالى والإشارة هنا وقعت إلى أن بقاء أهل الجنة بإبقاء الله ذاكرين اسم الله متلذذين به فقال تَبَارَكَ اسْمُ رَبّكَ أي في ذلك اليوم لا يبقى اسم أحد إلا اسم الله تعالى به تدور الألسن ولا يكون لأحد عند أحد حاجة بذكره ولا من أحد خوف فإن تذاكروا تذاكروا باسم الله
المسألة الرابعة الاسم مقحم أو هو أصل مذكور له التبارك نقول فيه وجهان أحدهما وهو المشهور أنه مقحم كالوجه في قوله تعالى وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ يدل عليه قوله فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ( المؤمنين ١٤ ) و تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ ( الملك ١ ) وغيره من صور استعمال لفظ تبارك وثانيهما هو أن الاسم تبارك وفيه إشارة إلى معنى بليغ أما إذا قلنا تبارك بمعنى علا فمن علا اسمه كيف يكون مسماه وذلك لأن الملك إذا عظم شأنه لا يذكر اسمه إلا بنوع تعظيم ثم إذا انتهى الذاكر إليه يكون تعظيمه له أكثر