قوله عليه الصلاة والسلام ( الثلث والثلث كثير إنك ان تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس )
واعلم أن هذا الحديث يدل على أحكام أحدها أن الوصية غير جائزة في أكثر من الثلث وثانيها أن الأولى النقصان عن الثلث لقوله ( والثلث كثير ) وثالثها أنه إذا ترك القليل من المال وورثته فقراء فالأفضل له أن لا يوصي بشيء لقوله عليه الصلاة والسلام ( ان تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ) ورابعها فيه دلالة على جواز الوصية بجميع المال إذا لم يكن له وارث لأن المنع منه لأجل الورثة فعند عدمهم وجب الجواز
الوجه الثاني تخصيص عموم هذه الآية في الموصى له وذلك لأنه لا يجوز الوصية لوارث قال عليه الصلاة والسلام ( ألا لا وصية لوارث )
المسألة الثانية قال الشافعي رحمة الله عليه إذا أخر الزكاة والحج حتى مات يجب إخراجهما من التركة وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يجب حجة الشافعي أن الزكاة الواجبة والحج الواحب دين فيجب اخراجه بهذه الآية وإنما قلنا إنه دين لأن اللغة تدل عليه والشرع أيضاً يدل عليه أما اللغة فهو أن الدين عبارة عن الأمر الموجب للانقياد قيل في الدعوات المشهورة يا من دانت له الرقاب أي انقادت وأما الشرع فلأنه روي أن الخثعمية لما سألت الرسول ( ﷺ ) عن الحج الذي كان على أبيها فقال عليه الصلاة والسلام ( أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزىء فقالت نعم فقال عليه الصلاة والسلام فدين الله أحق أن يقضي ) إذا ثبت أنه دين وجب تقديمه على الميراث لقوله تعالى مِن بَعْدِ وَصِيَّة ٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ قال أبو بكر الرازي المذكور في الآية الدين المطلق والنبي ( ﷺ ) سمى الحج دينا لله والاسم المطلق لا يتناول المقيد
قلنا هذا في غاية الركاكة لأنه لما ثبت أن هذا دين وثبت بحكم الآية أن الدين مقدم على الميراث لزم المقصود لا محالة وحديث الاطلاق والتقييد كلام مهمل لا يقدح في هذا المطلوب والله أعلم
المسألة الثالثة اعلم أن قوله تعالى غَيْرَ مُضَارّ نصب على الحال أي يوصى بها وهو غير مضار لورثته
واعلم أن الضرار في الوصية يقع على وجوه أحدها أن يوصي بأكثر من الثلث وثانيها أن يقر بكل ماله أو ببعضه لأجنبي وثالثها أن يقر على نفسه بدين لا حقيقة له دفعا للميراث عن الورثة ورابعها أن يقر بأن الدين الذي كان له على غيره قد استوفاه ووصل اليه وخامسها أن يبيع شيئاً بثمن بخمس أو يشتري شيئاً بثمن غال كل ذلك لغرض أن لا يصل المال إلى الورثة وسادسها أن يوصي بالثلث لا لوجه الله لكن لغرض تنقيص حقوق الورثة فهذا هو وجه الاضرار في الوصية
واعلم أن العلماء قالوا الأولى أن يوصى بأقل من الثلث قال علي لأن أوصي بالخمس أحب إلى من الربع ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث وقال النخعي قبض رسول الله ( ﷺ ) ولم يوص وقبض أبو بكر فوصى فان أوصى الانسان فحسن وإن لم يوص فحسن أيضا


الصفحة التالية
Icon