والجواب عن الثاني أن هذا يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد وإنه غير جائز
والجواب عن الثالث أن مطلوب الصحابة أنه هل يقام الحد على اللوطي وليس في هذه الآية دلالة على ذلك بالنفي ولا بالاثبات فلهذا لم يرجعوا إليها
المسألة الرابعة زعم جمهور المفسرين أن هذه الآية منسوخة وقال أبو مسلم إنها غير منسوخة أما المفسرون فقد بنوا هذا على أصلهم وهو أن هذه الآية في بيان حكم الزنا ومعلوم أن هذا الحكم لم يبق وكانت الآية منسوخة ثم القائلون بهذا القول اختلفوا أيضا على قولين فالأول أن هذه الآية صارت منسوخة بالحديث وهو ما روى عبادة بن الصامت أن النبي ( ﷺ ) قال ( خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر والثيب بالثيب البكر تجلد وتنفى والثيب تجلد وترجم ) ثم ان هذا الحديث صار منسوخا بقوله تعالى الزَّانِيَة ُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَة َ جَلْدَة ٍ ( النور ٢ ) وعلى هذا الطريق يثبت أن القرآن قد ينسخ بالسنة وأن السنة قد تنسخ بالقرآن خلاف قول الشافعي لا ينسخ واحد منهما بالآخر
والقول الثاني أن هذه الآية صارت منسوخة بآية الجلد
واعلم أن أبا بكر الرازي لشدة حرصه على الطعن في الشافعي قال القول الأول أولى لأن آية الجلد لو كانت متقدمة على قوله ( خذوا عني ) فائدة فوجب أن يكون قوله ( خذوا عني ) متقدما على آية الجلد وعلى هذا التقدير تكون آية الحبس منسوخة بالحديث ويكون الحديث منسوخا بآية الجلد فحينئذ ثبت أن القرآن والسنة قد ينسخ كل واحد منهما بالآخر
واعلم أن كلام الرازي ضعيف من وجهين الأول ما ذكره أبو سليمان الخطابي في معالم السنن فقال لم يحصل النسخ في هذه الآية ولا في هذا الحديث ألبتة وذلك لأن قوله تعالى فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً يدل على أن امساكهن في البيوت ممدود إلى غاية أن يجعل الله لهن سبيلا وذلك السبيل كان مجملا فلما قال ( ﷺ ) ( خذوا عني الثيب ترجم والبكر تجلد وتنفى ) صار هذا الحديث بياناً لتلك الآية لا ناسخا لها وصار أيضا مخصصا لعموم قوله تعالى الزَّانِيَة ُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَة َ جَلْدَة ٍ ( النور ٢ ) ومن المعلوم أن جعل هذا الحديث بيانا لاحدى الآيتين ومخصصا للآية الأخرى أولى من الحكم بوقوع النسخ مراراً وكيف وآية الحبس مجملة قطعا فانه ليس في الآية ما يدل على أن ذلك السبيل كيف هو فلا بد لها من المبين وآية الجلد مخصوصة ولا بد لها من المخصص فنحن جعلنا هذا الحديث مبينا لآية الحبس مخصصا لآية الجلد وأما على قول أصحاب أبي حنيفة فقد وقع النسخ من ثلاثة أوجه الأول آية الحبس صارت منسوخة بدلائل الرجم فظهر أن الذي قلناه هو الحق الذي لا شك فيه
الوجه الثاني في دفع كلام الرازي انك تثبت أنه لا يجوز أن تكون آية الجلد متقدمة على قوله ( خذوا عني ) فلم قلت انه يجب أن تكون هذه الآية متأخرة عنه ولم لا يجوز أن يقال إنه لما نزلت هذه الآية ذكر الرسول ( ﷺ ) ذلك وتقديره أن قوله الزَّانِيَة ُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَة َ جَلْدَة ٍ مخصوص بالاجماع في حق الثيب المسلم وتأخير بيان المخصص عن العام المخصوص غير جائز عندك وعند أكثر المعتزلة لما أنه يوهم التلبيس واذا كان كذلك فثبت أن الرسول ( ﷺ ) إنما قال ذلك مقارنا لنزول قوله الزَّانِيَة ُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَة َ جَلْدَة ٍ وعلى هذا التقدير سقط قولك ان الحديث كان متقدما على آية الجلد هذا كله تفريع على قول من يقول هذه الآية أعني آية الحبس نازلة في حق الزناة


الصفحة التالية
Icon