والخمر: ماء العنب الذى غلى أو طبخ، وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه، لان
إجماع العلماء أن القمار كله حرام.
وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر، والميسر إنما كان قمارا في الجزر خاصة، فكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها.
الثانية - والجمهور من الامة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره، والحد في ذلك واجب.
وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبى ليلى وابن شبرمة وجماعة من فقهاء الكوفة: ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فهو حلال (١)، وإذا سكر منه أحد دون أن يتعمد الوصول إلى حد السكر فلا حد عليه، وهذا ضعيف يرده النظر والخبر، على ما يأتي بيانه في " المائدة والنحل (٢) " إن شاء الله تعالى.
الثالثة - قال بعض المفسرين: إن الله تعالى لم يدع شيئا من الكرامة والبر إلا أعطاه هذه الامة، ومن كرامته وإحسانه أنه لم يوجب عليهم الشرائع دفعة واحدة، ولكن أوجب عليهم مرة بعد مرة، فكذلك تحريم الخمر.
وهذه الآية أول ما نزل في أمر الخمر، ثم بعده: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " ثم قوله: " إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " ثم قوله: " إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " على ما يأتي بيانه في " المائدة ".
الرابعة - قوله تعالى: (والميسر) الميسر: قمار العرب بالازلام.
قال ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله وأهله، فنزلت الآية.
وقال مجاهد ومحمد بن سيرين والحسن وابن المسيب وعطاء وقتادة ومعاوية ابن صالح وطاوس وعلى بن أبى طالب رضى الله عنه وابن عباس أيضا: كل شئ فيه قمار من نرد وشطرنج فهو الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب (٣)، إلا ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز الحقوق، على ما يأتي.
وقال مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو، *

(١) أي قليله.
(٢) راجع ج ٦ ص ٢٨٥ وما بعدها، وج ١٠ ص ١٢٨ وما بعدها.
(٣) الكعاب: فصوص النرد.


الصفحة التالية
Icon