وإمَّا حال إن جعلت « نَذَرُ » بمعنى نخليهم. و « جَثِيًّا » على ما تقدم.
و « فيها » يجوز أن يتعلق ب « نَذَرُ »، وأن يتعلق ب « جِثِيًّا » إن كان حالاً ولا يجوز ذلك فيه إن كان مصدراً، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من « جِثِيًّا »، لأنه في الأصل صفة لنكرة قدم عليها فنصب حالاً.

فصل


اختلفوا في أنَّه كيف يندفع عن المتقين ضرر النار إذا ورودها بأنَّ القول هو الدخول. فقيل :« البقعة بجهنم لا يمتنع أن يكون في خلالها ما لا نار فيه، وإذا كان كذلك لا يمتنع » أن يدخل الكل في جهنم، ويكون المؤمنون في تلك المواضع الخالية عن النار والكفار في وسط النار، وعن جابر أنَِّ رسول الله صلى الله عيله وسلم قال « إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول بعضهم لبعض : أليس ربنا أن نرد النار؟ فيقال لهم : قد دخلتموها وهي خامدة ».
وقيل : إنَّ الله -تعالى- يخمد النار فيعبرها المؤمنون، وتنهار بالكافرين. قال ابن عباس : يردونها كأنَّها إهالة. وقيل : إنَّ الله -تعالى- يجعل النار الملاصقة لأبدان المؤمنين برداً وسلاماً كما جاء في الحديث المتقدم، وكما في حق إبراهيم -عليه السلام-، وكما في حق الكوز الواحد من الماء يشربه القبطي فيكون دماً، ويشربه الإسرائيلي فيكون ماء عذباً، وفي الحديث :« تقول النار للمؤمن جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي » وعن مجاهد في قوله تعالى « ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ قال : من حُمَّ من المسلمين فقد وردها. وفي الخبر » الحمى كنز من جهنم، وهي حظ المؤمن من النار « واعلم أنه لا بُدَّ من أحد هذه الوجوه في الملائكة الموكلين بالعذاب حتى يكونوا في النار مع المعاقبين. فإن قيل : إذا لم يكن على المؤمنين عذاب في دخولهم فما الفائدة في ذلك الدخول؟ فالجواب : أنَّ ذلك مما يزيدهم سروراً إذا علموا الخلاص منه. وأيضاً : فيه مزيد غم على أهل النار حيث تظهر فضيحتهم عند من كان يخوفهم من النار فما كانوا يلتفتون إيله وأيضاً : إن المؤمنين إذا كانوا معهم في النار يبكتونهم فيزداد غم الكفار وسرور المؤمنين. وأيضاً : فإن المؤمنين كانوا يخوفونهم بالحشر والنشر، ويستدلون على ذلك، فما كانوا يقبلون تلك الدلائل، فإذا دخلوا جهنم معهم أظهروا لهم أنهم كانوا صادقين فيما قالوه، وأنَّ المكذِّبين بالحشر والنشر كانوا كاذبين. وأيضاً : إنهم إذا شاهدوا ذلك العذاب صار سبباً لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة على ما قيل : وبضدها تتبين الأشياء.


الصفحة التالية
Icon