قوله :﴿ قَدْ يَعْلَمُ الله ﴾. « قد » تدل على التقليل مع المضارع إلاّ في أفعال الله فتدل على التحقيق كهذه الآية. وقد ردَّها بعضهم إلى التقليل، لكن إلى متعلَّق العلم، يعني : أن الفاعلين لذلك قليل، فالتقليل ليس في العلم بل في متعلِّقه.
قوله : لِوَاذاً فيه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على المصدر من معنى الفعل الأول، إذ التقدير : يتسلّلون منكم تَسَلُّلاً، أو يُلاَذُون لواذاً.
والثاني : أنه مصدر في موضع الحال، أي : مُلاَوِذين.
واللِّواذُ : مصدر لاَوذَ، وإنما صحَّت الواو وإن انكسر ما قبلها ولم تُقلب ياءً كما قُلبَتْ في « قِيَام » و « صِيَام »، لأنه صحَّت في الفعل نحو « لاَوَذَ »، فلو أُعِلَّتْ في الفعل أُعِلَّتْ في المصدر نحو « القيام » و « الصِّيَام » لقلبها ألفاً في « قام » و « صام ». وأما مصدر :« لاَذَ بكذا يَلُوذُ به » فمعتل نحو :« لاَذَ لِيَاذاً » مثل :« صَامَ صِياماً، وقام قِياماً ». واللِّوَاذُ والمُلاَوَذَةُ : التَّستُّر، يقال : لاَوَذَ فلانٌ بكذا : إذا استتر بِهِ. واللَّوذُ : ما يُطيفُ بالجبل. وقيل : اللِّوَاذُ : الرَوَغَان من شيءٍ إلى شيءٍ في خفيةٍ، ووجه المفاعلة أَنَّ كُلاًّ منهم يلُوذُ بصاحبه، فالمشاركة موجودة.
وقرأ يزيد بن قطيب :« لَوَاذاً » بفتح اللام، وهي محتملة لوجهين :
أحدهما : أن يكون مصدر « لاذ » ثلاثياً، فيكون مثل « طاف طوافاً ».
والثاني : أن يكون مصدر « لاَوَذَ » إلاّ أنه فتحت الفاء إتباعاً لفتحة العين. وهو تعليل ضعيف يصلح لمثل هذه القراءة.

فصل


المعنى : قال المفسرون : إن المنافقين كانوا يخرجون مستترين بالناس من غير استئذان حتى لا يروا. قال ابن عباس : كان المنافقون يثقل عليهم المقام في المسجد يوم الجمعة واستماع خطبة النبي - ﷺ - فكانوا يلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد في استتار وقال مجاهد : يتسللون من الصف في القتال. وقيل : كان هذا في حفر الخندق ينصرفون عن رسول الله - ﷺ - مختفين. وقيل : يعرضون عن الله وعن كتابه وعن ذكره وعن نبيه.
قوله :« فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ » فيه وجهان :
أشهرهما، وهو الذي لا يعرف النحاة غيره : أن الموصول هو الفاعل و « أن تصيبهم » مفعوله، أي : فليحذر المخالفون عن أمره إصابتهم فتنة.
والثاني : أن فاعل « فَلْيَحْذَر » ضمير مستتر، والموصول مفعول به. وردَّ هذا بوجوهٍ :
منها : أن الإضمار خلاف الاصل. وفيه نظر، لأنَّ هذا الإضمار في قوة المنطوق به، فلا يقال : هو خلاف الأصل، ألا ترى أن نحو :« قُمْ » و « ليقُمْ » فاعله مضمر، ولا يقال في شيء منه هو خلاف الأصل، وإنما الإضمار خلاف الأصل فيما كان حذفاً نحو :« وَاسْأَلِ القَرْيَةَ ».


الصفحة التالية
Icon