ومنها : لو كان الجد أباً على الحقيقة لصحَّ القول بأنَّهُ مات، وخلف أُمًّا وآباء كثيرين، وذلك مما لم يطلقه أحدٌ من الفقهاء، وأرباب اللغة، والتفسير.
ومنها :[ ول كان الجدُّ أباً ولا شكَّ ] أنَّ الصحابة عارفون باللغة لما كانوا يختلفون في ميراث الجدن ولو كان الجد أباً لكانت الجدة أُمًّا، ولو كان كذلك لما وقعت الشُّبهة في ميراث الجدة حتى يحتاج أبو بكر رضي الله عنه إلى السؤال عنه، [ فهذه الدلائل دلت على أنَّ الجدَّ ليس بأب ].
ومنها : قوله تعالى :﴿ يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين ﴾ [ النساء : ١١ ] فلو كان الجدُّ أباً لكان ابن الابن ابناً لا محالة، فكان يلزم بمقتضى هذه الآية حصول الميراث لابن الابن مع قيام الابن، ولما لم يكن كذلك علمنا أن الجد ليس بأب.
وأما الجواب عن الآية الكريمة فمن وجهين :
الأول : أنه قرأ أُبيّ :« وإلَهَ إبْرَاهِيمَ » بطرح « آبائك » إلاَّ أنَّ هذا لا يقدح في الغرض؛ لأن القراءة الشاذَّة لا تدفع القراءة المتواترة.
بل الجواب أن يقال : إنَّه أطلق لفظ الأب على الجدِّ وعلى العمِّ.
وقال ﷺ في العبَّاس :« هَذَا بَقِيَّةٌ آبَائِي ».
وقال :« رُدٌُّوا عَلَيَّ أبي، فإنِّي أخْشَى أنْ تَفْعَلَ بِهِ قُرَيْشٌ مَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودِ »، فدلنا ذلك على أنَّهُ ذكره على سبيل المجاز، ولو كان حقيقة لما كان كذلك.
وأمَّا قول ابن عباس فإنما أطلق الاسم عليه نظراً إلى الحكم الشرعي، لا إلى الاسم اللغوي؛ لأن اللغات لا يقع الخلاف فيها بين أهل اللِّسَان.
قوله :« إلهاً واحداً » فيه ثلاثة أَوْجُهٍ :
أحدها : أَنَّهُ بَدَلٌ من « إلهك » بدل نكرة موصوفة من معرفة كقوله :﴿ بالناصية نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ ﴾ [ العلق : ١٥١٦ ].
والبصريون لا يشترطون الوصف مستدلين بقوله :[ الوافر ]

٨٠٥ فَلاَ وَأَبِيكِ خَيْرٍ مِنْكِ إِنِّي لَيُؤْذِينِي التَّحَمْحُمُ والصَّهِيلُ
ف « خير » يدلٌ من « أبيك »، وهو نكرةٌ غيرُ موصوفةٍ.
والثاني : أنَّهُ حال من « إلهك » والعامل فيه « نعبد »، وفائدة البدل الحال التنصيص على أنَّ معبودهم فَرْدٌ إذْ إضافة الشيء إلى كثير تُوهِم تَعْدَادَ المضاف، فنصَّ بها على نفي ذلك الإبهام. وهذه الحال تمسى « حالاً مُوَطِّئة »، وهي أن تذكرها ذاتاً موصوفة، نحو : جاء زيد رجلاً صالحاً.
الثالث : وإليه نَحَا الزَّمَخْسَرِيُّ : أن يكون منصوباً على الاختصاص، أي : نريد بإلهك إلهاً واحداً.
قالوا : أبو حيَّان رحمه الله : وقد نصّ النحويون على أن المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرةً ولا مبهماً.
قوله :﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ في هذه الجملة ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنَّها معطوفةٌ على قوله :« نعبد » يعني : أنها تتمّةٌ جوابهم له، فأجابوه بزيادة.


الصفحة التالية
Icon