قولهُ :« واتَقُونِي » أَثبتَ أبو عمر « الياءَ » في قوله :« وَاتَّقُونِي » على الأصل، وحذف الآخرون؛ للتخفيف، ودلالة الكسرةِ عليه، وفيه تَنْبيهٌ على كمالِ عظمةِ اللَّهِ وجلالِهِ؛ وهو كقول الشَّاعر :[ الرجز ]

٩٩٦ - أَنَا أَبُوا النَّجْمِ وَشْعْرِي شِعْرِي قولُه ﴿ واتقون ياأولي الألباب ﴾ اعلم أَنَّ لُبَّ الشيءٍ ولُبَابَهُ هو الخَالِصُ منه.
قال النَّحاسُ : سمعت أبا إسحاق يقول : قال لي أحمدُ بن يحيى ثعلبٌ : أتعرف في كَلام العرب شيْئاً من المُضاعَفِ جاء على فَعُلَ؟ قلت : نعم، حكى سيبويه عن يونس : لَيُبْتَ تَلُبّ؛ فاسْتَحْسَنُه، وقال : ما أَعْرفُ له نظيراً.
واختلفوا فيه فقال بعضهم : إنّه للعقلِ؛ لأنه أشرفُ ما في الإنسان، وبه تميز عن البهائِمِ، وقَرُبَ مِنْ درجةِ الملائكة.
وقال آخرون : إنّه في الأَصْلِ اسمٌ للقَلْبِ الذي هو محل للعقلِ، والقَلْبُ قد يُجعل كنايةً عن العَقلِ، فقوله :﴿ ياأولي الألباب ﴾ أي : يا أُولِي العُقُولِ، وإطلاق اسم المحلِّ على الحال مجازٌ مشهُورٌ.
فإن قيل : إذا كان لا يصِحُّ إِلاَّ خِطَابٌ العقل؛ فما فائدة قوله :﴿ ياأولي الألباب ﴾ ؟!
فالجواب : معناهُ أنّكم لمّا كنتُم مِنْ أُولِي الألباب، تمكنتُم مِنْ معرفة هذه الأشياء، والعَمَلِ بها، فَكَانَ وجوبها عليكم أَثبت، وإعراضُكم عنها أقبحَ؛ ولهذا قال الشاعر :[ الوافر ]
٩٩٧ - وَلَمْ أَرَ في عُيُوب النَّاسِ شَيْئاً كَنَقْص الْقَادِرِيْن عَلَى التَّمَامِ
وقال تبَاركَ وتعالى :﴿ أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] يعني : أَنَّ الأنعامَ مَعْذُورةٌ بسبب العَجزِ، وأَمَّا هؤلاء فقادِرُون فكان إعراضهم أفحش، فلا جرم كانُوا أَضَلَّ.


الصفحة التالية
Icon