وإن كان مُسْتَقْبلاً نصب، تقول : سِرْتُ حتَّى أدخل البلد، وأنت لم تدخل بعد. وإن كان ماضياً فتحكيه، ثُمَّ حكايتك له : إمَّا أن تكون بحسب كونه مستقبلاً، فتنصبه على حكاية هذه الحال، وإمَّا أن يكون بحسب كونه حالاً، فترفعه على حكاية هذه الحال، فيصدق أن تقول في قراءة الجماعة : حكاية حالٍ، وفي قراءة نافعٍ أيضاً : حكاية حال.
قال شهاب الدِّين : إنَّما نبَّهتُ على ذلك؛ لأنَّ عبارة بعضهم تخُصُّ حكاية الحال بقراءة الجمهور، وعبارةآخرين تخصُّها بقراءة نافع.
قال أبو البقاء في قراءة الجمهور :« والفعلُ هنا مستقبلٌ، حُكِيت به حَالُهُمْ، والمعنى على المُضِيِّ » وكان قد تقدَّم أنه وجَّه الرفع بأنَّ « حتى » للتعليل.
قوله :« معه » هذا الظرف يجوز أن يكون منصوباً بيقول، أي : إنهم صاحبوه في هذا القول وجامعوه فيه، وأن يكون منصوباً بآمنوا، أي : صاحبوه في الإيمان.
قوله :﴿ متى نَصْرُ الله ﴾ « مَتَى » منصوبٌ على الظرف، فموضعه رفعٌ؛ خبراً مقدَّماً، و « نصرٌ » مبتدأٌ مؤخرٌ.
وقال أبو البقاء :« وعلى قولِ الأَخْفَشِ : موضعه نصب على الظرف، و » نصرُ « مرفوعٌ به ». و « مَتَى » ظرفُ زمانٍ لا يتصرَّف إلا بجرِّه بحرفٍ. وهو مبنيٌّ؛ لتضمُّنه : إما لمعنىهمزة الاستفهام، وإمَّا معنى « مَنْ » الشرطية، فإنه يكون اسم استفهام، ويكون اسم شرطٍ فيجزم فعلين شرطاً وجزاءً.
قال القرطبي :« نَصْرُ اللَّهِ » رفع بالابتداء على قول سيبويه، وعلى قول أبي العباس؛ رفع بفعلٍ، أي : متى يقع نصر الله.
و « قَرِيبٌ » خبر « إنَّ » قال النَّحَّاس : ويجوز في غير القرآن « قَرِيباً » أي : مكاناً قريباً و « قَرِيبٌ » لا تثيِّيه العرب، ولا تجمعه، ولا تؤنّثه في هذا المعنى؛ قال تعالى :﴿ إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ ﴾ [ الأعراف : ٥٦ ] ؛ وقال الشَّاعر :[ الطويل ]

١٠٤٣ - لَهُ الْوَيْلُ إِنْ أَمْسَى وَلاَ أُمُّ هَاشِمٍ قَرِيبٌ وَلاَ بَسْبَاسَةُ ابْنَةُ يَشْكُرَا
فإن قلت : فلانٌ قريبٌ لي ثنيت وجمعت فقلت : قَرِيبُونَ، وأقْرِباءُ، وقُرَبَاءُ.

فصل


والظاهر أنَّ جملة ﴿ متى نَصْرُ الله ﴾ من قول المؤمنين، وجملة ﴿ ألاا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ ﴾ من قول الرسول، فنسب القول إلى الجميع؛ إجمالاً، ودلالة الحال مبيِّنة للتفضيل المذكور. وهذا أولى من قول من زعم أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، والتقدير : حتَّى يقول الذين آمنوا :« مَتَى نَصْرُ اللَّهِ » ؟ فيقول الرسول « أَلاَ إِنَّ » فقدِّم الرسول؛ لماكنته، وقدِّم المؤمنون؛ لتقدُّمهم في الزمان. قالوا : لأنه أخبر عن الرسول، والذين آمنوا بكلامين :
أحدهما : أنهم قالوا : مَتَى نَصْرُ اللَّهِ؟
والثاني :« ألاَّ إنَّ نصرَ اللَّهِ قَرِيبٌ » فوجب إسناد كلِّ واحدٍ من هذين الكلامين إلى ما يليق به من ذينك المذكورين، قال : الذين آمناو قالوا :« مَتَى نَصْرُ اللَّهِ » والرسلُ قالوا :﴿ ألاا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ ﴾ قالوا : ولهذا نظيرٌ في القرآن والشِّعر :
أمَّا القرآن : فقوله :


الصفحة التالية
Icon