و « يتخبَّطه » يتفعَّله، وهو بمعنى المجرد أي يخبطه؛ فهو مثل : تعدَّى الشيء وعداه فهو تفعَّل بمعنى فعل، نحو تقسَّمه : بمعنى قسمه، وتقطَّعه : بمعنى قطعه. ومعنى ذلك مأخوذٌ من خبط البعير بأخفافه : إذا ضرب بها الأرض. ويقال : فلانٌ يخبط خبط عشواء؛ قال علقمة :[ الطويل ]

١٢٥٥- وَفِي كُلِّ حَيٍّ قَدْ خَبَطْتَ بِنِعْمَةٍ فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ
وقال زهير :[ الطويل ]
١٢٥٦- رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِئ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
والتخبط معناه : الضَّرب على غير استواء، ويقال للرجل الذي يتصرف في أمر ولا يهتدي فيه، إنه يخبط خبط عشواء، وخبط البعير الأرض بأخفافه، وتخبطه الشيطان، إذا مسَّه بخبلٍ، أو جنونٍ؛ لأنه كالضَّرب على غير استواء في الإدهاش.
قوله :﴿ مِنَ المس ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلقٌ بيتخبَّطه من جهة الجنون، فيكون في موضع نصبٍ، قاله أبو البقاء.
الثاني : أنه يتعلَّق بقوله تبارك وتعالى :﴿ لاَ يَقُومُونَ ﴾، أي : لا يقومون من المسِّ الذي بهم، إلا كما يقوم المصروع.
الثالث : أنه يتعلَّق بقوله :« يَقومُ »، أي : كما يقوم المصروع من جنونه؛ ذكر هذين الوجهين الأخيرين الزمخشريُّ.
قال أبو حيَّان : وكان قدَّم في شرح المسِّ أنه الجنون، وهذا الذي ذهب إليه في تعلُّق « مِنَ المَسِّ » بقوله :« لاَ يَقُومُونَ » ضعيفٌ؛ لوجهين :
أحدهما : أنه قد شرح المسَّ بالجنون، قلت : وهو بابٌ في البلاغة مشهورٌ، وهو أعلى رتب التشبيه؛ ومنه قوله :[ الطويل ]
١٢٥٧- وَرَمْلٍ كَأَوْرَاكِ العَذَارَى قَطَعْتُهُ ......................

فصل في دفع شبهة في تحليل الرِّبا


القوم كانوا في تحليل الرِّبا على هذه الشُّبهة، وهي أنَّ من اشترى ثوباً بعشرة، ثمَّ باعه بأحد عشر، فهذا حلالٌ؛ فكذا إذا باع العشرة بأحد عشر، يجب أن يكون حلالاً؛ لأنه لا فرق في العقل بين الصُّورتين، فهذا في ربا الفضل، وكذلك - أيضاً - في ربا النَّسيئة؛ لأنه لو باع الثوب الذي يساوي عشرة في الحال بأحد عشر إلى شهرٍ، جاز، فكذا إذا أعطى العشرة بأحد عشر إلى شهرٍ، وجب أن يجوز؛ لأنه لا فرق في العقل بينهما، وإنما جاز ذلك، لحصول التراضي من الجانبين، فكذا هاهنا، لما حصل التراضي من الجانبين، وجب أن يجوز أيضاً، والبياعات إنَّما شرعت لدفع الحاجة، ولعل الإنسان أن يكون صفر اليد في الحال، شديد الحاجة، ويكون له في المستقبل من الزمان أموالٌ كثيرةٌ، فإذا لم يجز الرِّبا، لم يعطه ربُّ المال مجاناً، فيبقى الإنسان في الشدة، والحاجة، وبتقدير جواز الربا فيعطيه ربُّ المال؛ طمعاً في الزيادة، والمديون يردُّه عند وجدان المال، وإعطاء تلك الزيادة عند وجدان المال، أسهل عليه من البقاء في الحاجة قبل وجدان المال، فهذا يقتضي حلَّ الرِّبا، كما قلنا في سائر البياعات أنَّها إنما شرعت؛ لدفع الحاجة، فهذه شبهة القوم.


الصفحة التالية
Icon