أمَّا مقدمة الآية؛ فلأن قوله ﴿ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فانتهى ﴾ ليس فيه بيان أنه انتهى عماذا، فلا بدَّ وأن يصرف ذلك إلى المدلول السابق، وأقرب المذكورات إلى هذه الكلمة قولهم :﴿ إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا ﴾ فكان قوله :﴿ فانتهى ﴾ عائداً إليه فيكون المعنى : فانتهى عن هذا القول.
وأما مؤخرة الآية فقوله :﴿ وَمَنْ عَادَ فأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ معناه عاد إلى الكلام المتقدم، وهو استحلال الربا « فَأَمْرهُ إلى اللهِ » ثم هذا الإنسان إمَّا أن يقال : إنه كما انتهى عن استحلال الربا، انتهى - أيضاً - عن أكل الربا، وليس كذلك؛ فإن كان الأول كان هذا الشخص مقراً بدين الله عالماً بتكليف الله تعالى؛ فحينئذٍ يستحق المدح والتعظيم، لكنَّ قوله « فَأَمْرُهُ إِلى اللهِ » ليس كذلك؛ لأنه يدلُّ على أنه تعالى إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له، فثبت أن هذه الآية لا تليق بالكافر، ولا بالمؤمن المطيع، فلم يبق إلاَّ أنها تختصُّ بمن أقرَّ بحرمة الرِّبا، ثم أكل الربا؛ فهذا أمره إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، فهو كقوله ﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ٤٨ ]. ثم قال :﴿ وَمَنْ عَادَ فأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ أي ومن عاد إلى استحلال الربا، حتى يصير كافراً، وفيها دليلٌ على أنَّ الخلود لا يكون إلاَّ للكافر.


الصفحة التالية
Icon