والثاني : أن يكون « المُؤْمِنُونَ » مبتدأٌ، و « كلٌّ » مبتدأ ثانٍ، و « آمَنَ » خبرٌ عن « كُلّ » وهذا المبتدأ وخبرُه خبرُ الأوَّل؛ وعلى هذا فلا بُدَّ من رابطٍ بين هذه الجملةِ وبين ما أخبر بها عنه، وهو محذوفٌ، تقديرُه :« كُلٌّ مِنْهُمْ » وهو كقولهم :« السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَم »، تقديرُه : مَنَوَانِ مِنْهُ، قال الزمخشريُّ :« والمؤمنُونَ إن عُطِفَ على الرسول، كان الضّميرُ الذي التنوينُ نائبٌ عنه في » كُلّ « راجعاً إلى » الرَّسُول « - ﷺ - و » المُؤْمِنُونَ « أي : كلُّهم آمَنَ بالله ومَلاَئِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ من المذكورين. ووُقِفَ عليه، وإن كان مبتدأً كان الضميرُ للمؤمنين ».
فإن قيل : هل يجوزُ أَنْ يكون « المُؤْمِنُونَ » مبتدأ، و « كُلٌّ » تأكيد له، و « آمَنَ » [ خبر هذا ] المبتدأ؟ فالجوابُ : أنَّ ذلك لا يجوزُ؛ لأنهم نَصُّوا على أَنَّ « كُلاًّ » وأخواتها لا تقعُ تأكيداً للمعارف، إلا مضافةٌ لفظاً لضميرِ الأولِ، ولذلك ردُّوا قولَ مَنْ قال : إِنَّ كُلاًّ في قراءة مَنْ قَرَأَ :﴿ إِنَّا كُلاًّ فِيهَآ ﴾ [ غافر : ٤٨ ] تأكيدٌ لاسم « إِنَّ » وقرأ الأَخَوان هنا « وَكِتَابِهِ » بالإِفراد، والباقون بالجمعِ، وفي سورة التحريم [ آية١٢ ] قرأ أبو عمرو وحفصٌ عن عاصم بالجَمْع، والباقون بالإفراد، فتلخّصَ من ذلك أنَّ الأخوين يَقْرَآن بالإِفراد في الموضعين، [ وأنَّ أبا عمرو وحفصاً يقْرآن بالجمعِ في الموضعَيْن ]، وأنَّ نافعاً وابن كثير وابن عامر وأبا بكر عن عاصمٍ قَرَءُوا بالجمع هنا، وبالإِفرادِ في التحريم.
فأمَّا الإِفرادُ، فإنه يُراد به الجنسُ، لا كتابٌ واحدٌ بعينه، وعن ابن عبَّاس - رضي الله عنه - :« الكتَابُ أكثرُ من الكُتُب » قال الزمخشريُّ : فإنْ قلت : كيف يكون الواحدُ أكثرَ من الجمعِ؟ قلت : لأنه إذا أُريد بالواحدِ الجنسُ، والجنسيةُ قائمةٌ في وحداتِ الجنس كُلِّها، لَمْ يَخْرُج منه شيءٌ، وأمَّا الجمعُ، فلا يَدْخُل تحته إلاَّ ما فيه الجنسية من الجُمُوع. قال أبو حيان :« وليس كما ذكر؛ لأنَّ الجمعَ متى أُضيفَ، أو دَخَلَتْه الألفُ واللامُ [ الجنسية ]، صارَ عامّاً، ودلالةُ العامِّ دلالةٌ على كلِّ فردٍ فردٍ، فلو قال :» أَعْتَقْتُ عَبِيدِي «، لشمل ذلك كلَّ عَبْدٍ له، ودلالةُ الجمعِ أظهرُ في العموم من الواحدِ، إلاَّ بقرينةٍ لفظيَّةٍ، كأَنْ يُسْتَثْنَى منه أو يوصفَ بالجمع؛ نحو :﴿ إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ ﴾