للهم إلا أن يكون ذلك الحرفُ قائماً مقام جملة، فيُكَرَّر - وحده - كحروف الجواب، مثل : نَعَمْ نَعَمْ، وبلى بلى، ولا لا.
والثاني : أن قوله :﴿ فَفِي رَحْمَةِ الله ﴾ : خبر لمبتدأ مُضْمَر، والجملة - بأسْرها - جواب :« أما » والتقدير : فهم مستقرون في رحمة الله، وتكون الجملة - بعده - من قوله :﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ جملة مستقلة من مبتدأ وخبر، دلت على أن الاستقرار في الرحمة على سبيل الخلود، فلا تعلُّق لها بالجملة قبلها من حيث الإعراب.
قال الزمخشريُّ : فإن قلتَ : كيف موقع قوله :﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ بعد قوله :﴿ فَفِي رَحْمَةِ الله ﴾ ؟
قلت : موقع الاستئناف، كأنه قيل : كيف يكونون فيها؟ فقيل : هم فيها خالدون، لا يظنعون عها، ولا يموتون.
فإن قيل : الكُفَّار مخلَّدون في النار، كما أن المؤمنين مخلَّدون في الجنة، فما الحكمة في ذكر خلود المؤمنين ولم يذكر خلود الكافرين؟
فالجواب : أن ذلك يُشْعِر بأنَّ جانبَ الرحمةِ أغْلَب؛ لأنه ابتدأ بذكر أهل الرحمة، وختم بهم، لمَّا ذكر العذابَ لم يُضِفْه إلى نفسه، بل قال :﴿ فَذُوقُواْ العذاب ﴾، وأضاف ذكر الرحمة إلى نفسه، فقال :﴿ فَفِي رَحْمَةِ الله ﴾، ولما ذكر العذاب ما نصَّ على الخلود، ونصَّ عليه في جانب الرحمة، ولما ذكر العذاب علله بفعلهم، فقال :﴿ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ ولما ذكر الثواب علَّلَه برحمته، فقال :﴿ فَفِي رَحْمَةِ الله ﴾ ثم قال - في آخر الآية- :﴿ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [ آل عمران : ١٠٨ ]، وكل ذلك يُشْعِر بأن جانبَ الرحمة مُغَلَّب.