قال شهابُ الدينِ : وهذا تحامُل من أبي عليٍّ أما قوله : إن الأمر يقينٌ، يعني أن كونهم أحياء أمر متيقن، فكيف يقال فيه : أحسبهم -بفعل يقتضي الشك- وهذا غير لازم؛ لأن « حسب » قد تأتي لليقين.
قال الشاعر :[ الطويل ]
١٦٨٨- حَسِبْتُ التُّقَى وَالمَجْدَ خَيْرَ تِجَارَةٍ | رَبَاحاً إذَا ما المَرْءُ أصبَحَ ثَاقِلا |
١٦٨٩- شَهِدْت وَفَاتُونِي وَكُنْتُ حَسِبْتُنِي | فَقيراً إلى أن يَشْهَدوُا وَتَغِيبي |
قوله :﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ فيه خمسةُ أوجهٍ :
أحدها : أن يكون خبراً ثانياً ل « أحياء » على قراءة الجمهورِ.
الثاني : أن يكون ظرفاً ل « أحياء » لأن المعنى : يحيون عند ربهم.
الثالث : أن يكون ظرفاً ل « يرزقون » أي : يقع رزقهم في هذا المكانِ الشريفِ.
الراع : أن يون صفة ل « أحياء » فيكون في محل رفع على قراءة الجمهور، ونصب على قراءة ابن أبي عبلة.
الخامس : أن يكون حالاً من الضمير المستكن في « أحياء ». أي : يحيون مرزوقين. والمراد بالعندية : المجاز عن قربهم بالتكرمة.
وقيل :﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ أي : في حكمه، كما تقول : هذه المسألةُ عند الشافعي كذا، وعنده غيره كذا.
قال ابنُ عطية « وهو على حَذف مضاف، أي : عند كرامة ربهم ». ولا حاجةَ إليه؛ لأن الأولَ أليق.
قوله :﴿ يُرْزَقُونَ ﴾ فيه أربعةُ وجهٍ :
أحدها : ان يكون خبراً ثالثاً ل « أحياء » أو ثانياً - إذا لم نجعل الظرفَ خبراً.
الثاني : أنها صفة ل « أحياء :» -بالاعتبارين المتقدمين- فإن أعربنا الظرف وصفاً- أيضاً -فيكون هذا جاء على وعديله؛ لأنه أقرب إلى المفرد.
الثالث : أنه حال من الضمير في « أحياء » أي : يحيون مرزوقين.
الرابع : أن يكون حالاً من الضمير المستكن في الظرف، إذا جعلته صفة. وليس ذلك مختصاً بجعله صفة فقط، بل لو جعلته حالاً جاز ذلك -أيضاً- وهذه تُسمى الحالَ المتداخلة، ولو جعلته خبراً كان كذلك «.
فصل
هذه الآية نزلت في شهداء بدرٍ، وكانوا أربعةَ عشرَ رجلاً، ثمانية من الأنصارِ، وستة من المهاجرين.