والتضعيف في « الْمُقَرَّبِينَ » للتعدية، لا للمبالغةِ؛ ملا تقدم من أن التضعِيفَ للمبالغة لا يُكْسِبُ الفعلَ مفعولاً، وهذا قد أكسبه مفعولاً - كما ترى - بخلاف : قَطَّعْتُ الأثوابَ، فإنَّ التعدي حاصل قبل ذلك.
وجيء بالرابعة - بقوله :﴿ مِّنَ الصالحين ﴾ مراعاةً للفاصلةِ، كما تقدم في « الْمُقَرَّبِينَ ».
والمعنى : إنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بهذه الكلمةِ موصوفةً بهذه الصفاتِ الجميلةِ.
ومنع أبو البقاء أن تكونَ أحوالاً من « الْمَسِيحِ » أو من « عِيسَى » أو من « ابْن مرْيَمَ » قال :« لأنها أخبارٌ، والعاملُ فيها الابتداءُ، أو المبتدأ، أو هما، وليس شيءٌ من ذلك يعملُ في الحالِ ».
ومنع أيضاً - كونَهَا حالاً من الهاء في « اسْمُهُ » قال :« للفصل الواقعِ بينهما، ولعدمِ العاملِ في الحال ».
قال شهابُ الدينِ :« ومذهبهُ - أيضاً - أنَّ الحالَ لا يجيءُ مِنَ المُضَافِ إليهِ، وهو مرادُهُ بقولِهِ : ولعدم العامل. وجاءت الحالُ من النكرةِ؛ لتخصُّصِها بالصفة بعدها. وظاهرُ كلام الواحديِّ - فيما نقَلهُ عن الفرَّاء - أنَّها يجوز أن تكون أحوالاً من » عِيسَى « فإنَّه قال : والقرَّاء تسمِّي هذا قَطْعاً، كأنه قال : عيسى ابن مريم الوجيه، قطعَ منه التعريف. فظاهرُ هذا يُؤذِنُ بأنَّ ﴿ وَجِيهًا ﴾ من صفةِ » عِيسَى « في الأصلِ، فقطع عنه، والحالُ وصفٌ في المعنى ».
والوجيه : ذو الجاه، وهو القوةُ، والمنعةُ، والشرفُ.
وجمع « وَجيه » وُجَهاءُ، ووِجَاهٌ، يقال : وَجُهَ الرَّجُلُ يوجه وجاهة، فهو وجيه - إذا صارت له منزلةٌ رفيعةٌ عند الناسِ.
وقال بعضهم : الوجيهُ : الكريمُ.
و « كَهْلاً » من قولهم : اكتهلت الدوحة، إذا عَمَّها النُّوْرُ - والمرأة كهلة.
وقال الراغب :« والكهل : مَنْ وَخَطَه الشَّيْبُ، واكتهل النباتُ : إذا شارف اليُبُوسَةَ مشارفةَ الكهل الشَّيْبَ ».
وأنشد قولَ الأعشى - في وَصْف رَوْضَةٍ بأكمل أحوالها - :[ البسيط ]
١٤٦٨- يُضَاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرِقٌ | مُؤزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ |
وقال بعضهم :« ما دامَ في بطن أمِّه، فهو جنين، فإذا وُلِدَ فوليد، فإذا لم يستتمّ الأسبوع فصديغٌ؛ وما دام يرضع فهو رضيع، ثم هو فَطِيمٌ - عند الفِطَام - وإذا لم يرضع؛ فجَحْوَش، فإذا دبَّ ونما : فدراج، فإذا سقطت رواضِعهُ فثَغور ومثغور، [ فإذا نبتت أسنانهُ بعد السقوط بمُتَّغِر - بالتاء والثاء ]، فإذا جاوز العشر : فمترعرع، وناشئ. فإذا رَاهَق الحُلم : فيافع، ومُراهق. فإذا احتلم فحَزَوَّر. والغلام يُطْلَق عليه في جميع أحواله بعد الولادة، فإذا اخضر شارُبه، وسال عذاره : فباقِل، فإذا صار ذا لِحْيَةٍ : ففتًى وشارخ، فإذا اكتملت لحيته؛ فمُجْتَمِع، ثم هو من الثلاثين إلى الأربعين شابّ، ومن الأربعين إلى ستين كهل »، ولأهل اللغة عبارات مختلفة في ذلك، وهذا أشهرها.